الأصل (وَالرُّوحُ) أي جبريل (فِيها) في الليلة (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بأمره (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (٤) قضاء الله
____________________________________
ودعاء وتسبيح وغير ذلك.
قوله : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) أصله تتنزل بتاءين ، حذفت إحداهما تخفيفا كما قال المفسر ، على حد قول ابن مالك :
وما بتاءين ابتدى قد يقتصر |
|
فيه على تاء كتبين العبر |
والتاء في ملائكة لتأنيث الجمع ، وإذا حذفت امتنع صرفه لصيغة منتهى الجموع ، وبه يلغز فيقال ؛ كلمة إذا حذفت من آخرها حرف امتنع صرفها ، جمع ملك وأصله ملأك ووزنه فعال ، فالهمزة زائدة ، ومادته تدل على الملك والقوة والسلطنة ، وقيل : وزنه مفعل فالميم زائدة ، وقيل : هو مقلوب وأصله مالك من الألوكة وهي الرسالة ، قلب قلبا مكانيا فصار ملأك ، وفي وزنه القولان المتقدمان ، وعلى كل فيقال : سقطت الهمزة فصار ملك ، والملائكة أجسام نورانية ، لا يوصفون بذكورة ولا بأنوثة ، لهم قدرة على التشكلات بالصورة الغير الخسيسة ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، وعبر ب (تَنَزَّلُ) إشارة إلى أنهم ينزلون طائفة بعد طائفة ، فينزل فوج ويصعد فوج ، وروي أنه إذا كان ليلة القدر ، تنزل الملائكة وهم سكان سدرة المنتهى ، وجبريل عليهالسلام ومعه أربعة ألوية ، فينصب لواء على قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولواء على ظهر بيت المقدس ، ولواء على ظهر المسجد الحرام ، ولواء على ظهر طور سيناء ، ولا يدع بيتا فيه مؤمن أو مؤمنة إلا دخله وسلم عليه ويقول : يا مؤمن أو يا مؤمنة ، السّلام يقرئكم السّلام إلا على مدمن خمر ، وقاطع رحم ، وآكل لحم خنزير. وعن أنس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا كان ليلة القدر ، نزل جبريل في كبكبة من الملائكة ، يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله تعالى». وروي أن الملائكة في تلك الليلة ، أكثر من عدد الحصى.
قوله : (وَالرُّوحُ) إما مرفوع بالابتداء والجار بعده خبره ، أو بالفاعلية عطفا على (الْمَلائِكَةُ) قوله : (جبريل) هذا أحد أقوال في تفسير الروح ، وعليه فعطف الروح على الملائكة عطف خاص لشرفه ، وقيل : الروح نوع مخصوص منهم ، وقيل : خلق آخر غير الملائكة ، وقيل : أرواح ابني آدم ، وقيل : عيسى مع الملائكة ، وقيل : ملك عظيم الخلقة تحت العرش ، ورجلاه في تخوم الأرض السابعة ، وله ألف رأس ، كل رأس أعظم من الدنيا ، وفي كل رأس ألف وجه ، وفي كل وجه ألف فم ، وفي كل فم ألف لسان ، يسبح الله تعالى بكل لسان ألف نوع من التسبيح والتحميد والتمجيد ، ولكل لسان لغة لا تشبه لغة الآخر ، فإذا فتح أفواهه بالتسبيح ، خرت ملائكة السماوات السبع سجدا مخافة أن يحرقهم نور أفواهه ، وإنما يسبح الله غدوة وعشية ، فينزل في ليلة القدر لشرفها وعلو شأنها ، فيستغفر للصائمين والصائمات من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم بتلك الأفواه كلها إلى طلوع الفجر. قوله : (فِيها) إما متعلق ب (تَنَزَّلُ) أو حال من (الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) وقوله : (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) إما متعلق ب (تَنَزَّلُ) أو بمحذوف حال أيضا ، والمعنى (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) حال كونهم متلبسين (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) لا من تلقاء أنفسهم.
قوله : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) يحتمل أن (مِنْ) بمعنى باء السببية ، وعليه درج المفسر ، ويصح أنها للتعليل متعلق ب (تَنَزَّلُ) أي تنزل من أجل كل أمر. قوله : (قضاه الله فيها) أي أراد إظهاره لملائكته ، هذه هو