فالعمل الصالح فيها خير منه في ألف شهر ليست فيها (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) بحذف إحدى التاءين من
____________________________________
جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا وأقلها أعمالا ، فأعطاه الله ليلة القدر ، فهي من خصائص هذه الأمة ، وهي باقية على الصحيح ، خلافا لمن قال برفعها مستدلا بحديث : «خرجت لأعلمكم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان فرفعت» ورد بأن الذي رفع تعيينها بدليل أن في آخر الحديث نفسه «وعسى أن يكون خيرا لكم ، فالتمسوها في العشر الأواخر» إذ رفعها بالمرة لا خير فيه ، ولا يتأتى معه التماس. إن قلت : الرفع بسبب الملاحاة ، يقتضي أنه من شؤم الملاحاة ، فكيف يكون خيرا؟ قلت : هو كالبلاء الحاصل بشؤم معصية بعض العصاة ، فإذا تلقى بالرضا والتسليم صار خيرا. إن قلت : فما هو الذي فات بشؤم الملاحاة؟ وما هو الخير الذي حصل؟ قلت : الفائت معرفة عينها ، حتى يحصل غاية الجد والاجتهاد في خصوصها ، والخير الذي حصل ، هو الحرص على التماسها حتى يحيي ليالي كثيرة ، وفي الجملة قالوا : أخفى الرب أمورا في أمور لحكم : ليلة القدر في الليالي لتحيا جميعها وساعة الإجابة في الجمعة ليدعى في جميعها. والصلاة الوسطى في الصلوات ليحافظ على الكل. والاسم الأعظم في أسمائه ليدعى بالجميع ورضاه في طاعته ليحرص العبد على جميع الطاعات وغضبه في معاصيه لينزجر عن الكل. والولي في المؤمنين ليحسن الظن بكل منهم. ومجيء الساعة في الأوقات للخوف منها دائما. وأجل الإنسان عنه ليكون دائما على أهبة. فعلى هذا يحصل ثوابها لمن قامها ولو لم يعلمها ، نعم العالم بها أكمل ، هذا هو الأظهر ، واختلفت المذاهب فيها ، فقال مالك : إنها دائرة في العام كله ، والغالب كونها في رمضان ، والغالب كونها في العشر الأواخر منه. وقال أبو حنيفة والشافعي : هي في رمضان لا تنتقل منه والغالب كونها في العشر الأواخر ، واشتهر عن أبي بن كعب وابن عباس وكثير أنها ليلة السابع والعشرين ، وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر التي أعز الله بها الدين ، وأنزل الله ملائكته فيها مددا للمسلمين ، وأيده بعضهم بطريق الإشارة ، بأن عدد كلمات السورة ثلاثون كأيام رمضان ، واتفق أن كلمة هي تمام سبعة وعشرين ، وطريق آخر في الإشارة ، أن حروف ليلة القدر تسعة ، وقد ذكرت في السورة ثلاث مرات ، وثلاثة في تسعة بسبعة وعشرين ، ونقل عن بعض أهل الكشف ضبطها بأول الشهر مع أيام الأسبوع ، فعن أبي الحسن الشاذلي : إن كان أوله الأحد فليلة تسع وعشرين ، أو الاثنين فإحدى وعشرين ، أو الثلاثاء فسبع وعشرين ، أو الأربعاء فتسع عشرة ، أو الخميس فخمس وعشرين ، أو الجمعة فسبع عشرة ، أو السبت فثلاث وعشرين. ومنها ما قاله بعضهم :
يا حب الاثنين والجمعة مواعيدك |
|
واحد والأربعاء طي لتبعيدك |
بكالى السبت هيي يا خميس عيدك |
|
كابد ثلاثا ليالي القدر مع سيدك |
فإذا كان أول الشهر الاثنين أو الجمعة تكون ليلة إحدى وعشرين ورمزه يا حب بالجمل ، أو الأحد أو الأربعاء فتسع وعشرين ورمزه طي ، أو السبت فثلاث وعشرين رمز بكالى ، أو الخميس فخمس وعشرين ورمزه هيي ، أو الثلاثاء فسبع وعشرين ورمزه كابد ، والمشهور في ألسنة علماء الحديث أن الغالب كونها في العشر الأواخر ، وأنها في الأوتار ، قال سيدي أحمد زروق وغيره : لا تفارق ليلة جمعة من أوتار آخر الشهر ، ونحوه عن ابن العربي. قوله : (ليس فيها ليلة قدر) جواب عما يقال : إن الألف شهر لا بد فيها من ليلة قدر ، فيلزم عليه تفضيل الشيء على نفسه وغيره. قوله : (فالعالم الصالح فيها) أي من صلاة