السماء الدنيا (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (١) أي الشرف والعظم (وَما أَدْراكَ) أعلمك يا محمد (ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) (٢) تعظيم لشأنها وتعجيب منه (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٣) ليس فيها ليلة قدر ،
____________________________________
بالإنزال؟ أجيب بجوابين ، الأول : أن الإنزال بمعنى الإيحاء ، وفي الكلام استعارة تبعية ، حيث شبه الإيحاء بالإنزال ، واستعير الإيحاء للإنزال ، واشتق من الإنزال أنزلناه بمعنى أوحينا. الثاني : إن إسناد النزول إليه مجاز عقلي ، وحقه أن يسند لحامله ، فالتجوز إما في الظرف أو الإسناد. قوله : (أي القرآن) أشار بذلك إلى أن الضمير في (أَنْزَلْناهُ) عائد على القرآن. إن قلت : إنه لم يتقدم له ذكر. أجيب : بأنه اتكل على عظم قدره وشهرة أمره ، حتى لا يحتاج للتصريح. قوله : (جملة واحدة من اللوح المحفوظ) الخ ، أي ثم نزل به جبريل على النبي صلىاللهعليهوسلم نجوما مفرقة في مدة عشرين سنة ، أو ثلاث وعشرين سنة ، ومعنى إنزاله جملة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ؛ أن جبريل أملاه على ملائكة السماء الدنيا فكتبوه في صحف ، وكانت تلك الصحف في محل من تلك السماء يقال له بيت العزة. قوله : (من سماء الدنيا) أي بيت العزة منها ، وما ذكره المفسر ، من أن المراد إنزال القرآن جملة إلى سماء الدنيا ، أحد أقوال في تفسير الآية ، وقيل : المعنى ابتدأنا إنزاله على محمد صلىاللهعليهوسلم تلك الليلة. إن قلت : إن البعثة على رأس الأربعين وميلاده كان في ربيع ، فكيف يكون مبدأ الوحي في رمضان ليلة القدر؟ أجيب : بأنه ألغى الكسر أو جبر أو ذلك ، بناء على أن ميلاده في رمضان ؛ وقد قيل به ، أو مبدأ الوحي المنام في ربيع ، ومبدأ إنزال القرآن في رمضان ، وحكمة إنزاله من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ، ثم إنزاله منها مفرقا ولم ينزله مفرقا من اللوح ، أن سماء الدنيا مشتركة بين العالم العلوي والسفلي ، فإنزاله إليها جملة فيها تعجيل لمسرته بنزول جميعه عليه ، وإنزاله منها مفرقا فيه تأنيس للقلوب ، وترويح للنفوس ، وتلطف به صلىاللهعليهوسلم وبأمته ، فلم يفته نزوله جملة ولا مفرقا. قوله : (الشرف والعظم) هذا أحد أقوال ، وقيل : (الْقَدْرِ) بمعنى تقدير الأمور ، أي إظهارها في دواوين الملإ الأعلى ، سميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره ، إلى مثلها من السنة القابلة ، من أمر الموت والأجل والرزق وغير ذلك ، ويسلمه إلى مدبرات الأمور ، وهم الأربعة الرؤساء : جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، وقولنا : أي إظهارها في دواوين الملأ الأعلى ، يدفع ما أورد أن تقدير الأمور أزلي ، فإن قلت : إن تقدير الأمور ليلة النصف من شعبان يجاب : بأن ابتداء التقدير ليلة النصف من شعبان وتسليمه للملائكة ليلة القدر ، وقيل : القدر بمعنى الضيق من قوله : (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) لضيق الفضاء بازدحام مواكب الملائكة فيها.
قوله : (ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) أي ما مقدار شرفها ، وليس المراد ما حقيقتها ، فإنها مدة مخصوصة من الزمن. قوله : (تعظيم لشأنها) أي تفخيم لأمرها ، قال سفيان بن عيينة : إن كل ما في القرآن من قوله : (وَما أَدْراكَ) أعلم الله به نبيه صلىاللهعليهوسلم وما فيه ، وما يدريك لم يعلمه به ، والمراد إعلام الله تعالى في ذلك السياق نفسه ، فلا ينافي أنه عليهالسلام لم يخرج من الدنيا ، حتى أعلمه الله بكل ما خفي عنه مما يمكن البشر علمه ، وأما التسوية بين علم القديم والحادث فكفر.
قوله : (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، واختلف في حكمة ذكر العدد ، فقيل : المقصود مطلق الكثرة ، وقيل : إنه ذكر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم رجل من بني إسرائيل ، حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله عزوجل ألف شهر ، فعجب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لذلك ، وتمنى ذلك لأمته فقال : يا رب