بِالنَّاصِيَةِ) (١٥) لنجرّنّ بناصيته إلى النار (ناصِيَةٍ) بدل نكرة من معرفة (كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) (١٦) وصفها بذلك مجاز ، والمراد صاحبها (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) (١٧) أي أهل ناديه ، وهو المجلس ينتدى يتحدث فيه القوم ، وكان قال للنبي صلىاللهعليهوسلم لما انتهره حيث نهاه عن الصلاة : لقد علمت ما بها رجل أكثر ناديا مني لأملأن عليك هذا الوادي إن شئت خيلا جردا ورجالا مردا (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ)] (١٨) الملائكة الغلاظ الشداد لإهلاكه ، في الحديث : «لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عيانا» (كَلَّا) ردع له (لا تُطِعْهُ) يا محمد في ترك الصلاة (وَاسْجُدْ) صلّ لله (وَاقْتَرِبْ) (١٩) منه بطاعته.
____________________________________
قوله : (بِالنَّاصِيَةِ) وهي في الأصل مقدم الرأس أو شعر المقدم ، أطلق وأريد هنا الشخص بتمامه قوله : (إلى النار) وقيل في الدنيا يوم بدر لما ورد أنه جاءه عبد الله بن مسعود ، فوجده طريحا بين الجرحى وبه رمق ، فخاف أن يكون به قوة فيؤذيه ، فوضع الرمح على منخريه من بعيد فطعنه ، ثم لم يقدر ابن مسعود على الرقي على صدره لضعفه وقصره ، فارتقى إليه بحيلة ، فلما رآه أبو جهل قال : يا رويعي الغنم ، لقد رقيت مرقى عاليا فقال ابن مسعود : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، ثم قال لابن مسعود : اقطع رأسي بسيفي هذا ، لأنه أحد وأقطع ، فلما قطع رأسه به لم يقدر على حمله ، فشق أذنه وجعل فيه خيطا وجره إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجبريل بين يديه يضحك.
قوله : (كاذِبَةٍ) أي في قولها ، وقوله : (خاطِئَةٍ) أي في فعلها ، والخطأ ضد الصواب في الدين وغيره ، والمراد هنا ارتكاب خلاف الصواب عن قصد ، لقول بعضهم : الخاطىء المرتكب خلاف الصواب لا عن عمد. قوله : (أي أهل ناديه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، لأن النادي هو المجلس الذي يتحدث فيه القوم ، والمجلس لا يدعى ، فاحتيج لتقدير مضاف ، والمعنى : فليدع عشيرته ليستنصر بهم. قوله : (لما انتهره) أي انتهر النبي صلىاللهعليهوسلم أبا جهل ، وقوله : (حيث نهاه) أي نهى أبو جهل النبي صلىاللهعليهوسلم. قوله : (لقد علمت ما بها) أي بمكة. قوله : (خيلا جردا) أي قصيرة الشعر ، وقوله : (مردا) أي شبابا.
قوله : (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) واحدها زبنية ، بكسر أوله وسكون ثانية وكسر ثالثه ، من الزبن وهو الدفع. قوله : (الغلاظ الشداد) أي وهم خزنة جهنم ، أرجلهم في الأرض ورؤوسهم في السماء ، سموا زبانية لأنهم يزبنون الكفار ، أي يدفعونهم في جهنم. قوله : (صَلِ) أي دم على الصلاة ، وعبر عنها بالسجود لأنه أفضل أركانها ، لما في الحديث : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد».
قوله : (وَاقْتَرِبْ) (منه) أي من الله ، وما مشى عليه المفسر ، من أن المراد بالسجود الصلاة ، هو المشهور عند جمهور الأئمة ، وقال الشافعي : المراد بالسجود سجود التلاوة ، لما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه قال : سجدت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) وفي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) سجدتين ، فيسن السجود عند الشافعي في هذين الموضعين ، ومعنى اقترب. تقرب إلى ربك بطاعته وبالدعاء قال صلىاللهعليهوسلم : «أما الركوع فعظموا فيها الرب ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فيه فقمن ـ أي حقيق ـ أن يستجاب لكم» وكان صلىاللهعليهوسلم يكثر من سجوده البكاء والتضرع.