مفعول له (إِنَّ إِلى رَبِّكَ) يا إنسان (الرُّجْعى) (٨) أي الرجوع ، تخويف له ، فيجازي الطاغي بما يستحقه (أَرَأَيْتَ) في مواضعها الثلاثة للتعجب (الَّذِي يَنْهى) (٩) هو أبو جهل (عَبْداً) هو النبي صلىاللهعليهوسلم (إِذا صَلَّى) (١٠) (أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ) أي المنهيّ (عَلَى الْهُدى) (١١) (أَوْ) للتقسيم (أَمَرَ بِالتَّقْوى) (١٢) (أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ) أي الناهي للنبي (وَتَوَلَّى) (١٣) عن الإيمان (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) (١٤) ما صدر منه ، أي يعلمه فيجازيه عليه ، أي اعجب منه يا مخاطب من حيث نهيه عن الصلاة ، ومن حيث إن المنهي على الهدى آمر بالتقوى ، ومن حيث إن الناهي مكذب متولّ عن الإيمان (كَلَّا) ردع له (لَئِنْ) لام قسم (لَمْ يَنْتَهِ) عما هو عليه من الكفر (لَنَسْفَعاً
____________________________________
له) أي لأجله. قوله : (يا إنسان) أشار بذلك إلى أن الضمير في (رَبِّكَ) عائد على (الْإِنْسانَ) المتقدم ذكره ، ففيه التفات من الغيبة للخطاب ، تهديدا له وتحذيرا من عاقبة الطغيان ، كأنه قال : لا تغتر باستغنائك ، فإن مرجعك إلى خالقك ، فكما أغناك هو قادر على إفقارك ، فلا تعتقد أنه غني حقيقة ، فلو أعطي العبد الدنيا ومثلها معها ، هو فقير إلى ربه في كل طرفة عين. قوله : (أي الرجوع) أي من الغنى للفقر ، ومن العز للذل ، ومن القوة للعجز ، ومن الحياة للممات ، فلا مفر من الله. قوله : (للتعجب) أي التعجيب ، وهو إيقاع المخاطب في العجب والخطاب ، قيل : للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : لكل من يتأتى منه الخطاب ، واعلم أن رأيت هنا بمعنى أخبرني ، فتتعدى إلى مفعولين ، ثانيهما جملة استفهامية ، وقد ذكرت ثلاث مرات ، صرح بعد الثالثة بجملة استفهامية ، فهي موضع المفعول الثاني لتلك الثالثة ، ومفعولها الأول محذوف ، وهو ضمير يعود على الذي ينهى عبدا ، وذكر مفعول الأولى الأول ، وهو الاسم الموصول ، ومفعولها الثاني محذوف ، وهو جملة استفهامية كالواقعة بعد الثالثة ، حذف لدلالة المذكور عليه ، وأما الثانية فمفعولاها محذوفان ، لدلالة المفعول الأول من الأولى ، والمفعول الثاني من الثالثة عليه ، فتحصل أنه حذف المفعول الثاني من الأولى ، والمفعولان من الثانية ، والأول من الثالثة ، لدلالة المذكور ، وليس من باب التنازع ، لأنه يقتضي اضمارا ، والجمل لا تضمر ، وإنما الإضمار في المفردات ، وجواب الشرط الواقع في حيز الثانية والثالثة محذوف ، دل عليه الجملة الاستفهامية. قوله : (هو أبو جهل) وذلك أنه قال : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل : نعم ، فقال : واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ، ولأعفرن وجهه في التراب ، قال : فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ، قال : فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، فقيل له : مالك؟ قال : إن بيني وبينه خندقا من نار ، وهؤلاء أجنحة ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا.
قوله : (عَبْداً) لم يقل ينهاك ، تفخيما لشأنه وتعظيما لقدره. قوله : (للتقسيم) المناسب أن يقول : بمعنى الواو. قوله : (إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) أي دام على التكذيب والتولي. قوله : (أي يعلمه) تفسير ليرى. قوله : (ردع له) أي لأبي جهل. قوله : (لَنَسْفَعاً) يحتمل أن النون للمتكلم المعظم نفسه وهو الله تعالى ، أو الله وملائكته ، والسفع : القبض على الشيء بشدة ، والنون في (لَنَسْفَعاً) للتوكيد الخفيفة ، فيقوقف عليها بالألف تشبيها لها بالتنوين ، وتكتب الفاء اتباعا للوقف ، وقرىء شذوذا لنسفعن بالنون الثقيلة.