بمعنى من (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) أي الجنس (فِي كَبَدٍ) (٤) نصب وشدة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة (أَيَحْسَبُ) أيظنّ (الْإِنْسانَ) قوي قريش وهو أبو الأشد بن كلدة بقوته (أَنْ) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف ، أي أنه (لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) (٥) والله قادر عليه (يَقُولُ أَهْلَكْتُ) على عداوة محمد (مالاً لُبَداً) (٦) كثيرا بعضه على بعض (أَيَحْسَبُ أَنْ) أي أنه (لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) (٧) فيما أنفقه فيعلم قدره والله عالم بقدره وأنه ليس مما يتكثر به ومجازيه على فعله السيىء (أَلَمْ نَجْعَلْ) استفهام تقرير أي جعلنا (لَهُ عَيْنَيْنِ) (٨) (وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) (٩) (وَهَدَيْناهُ
____________________________________
قسم بآدم والصالحين فكأنهم ليسوا من أولاده.
قوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) هذا هو المقسم عليه. قوله : (فِي كَبَدٍ) بفتحين المشقة من المكابدة للشيء ، وهي تحمل المشاق في فعله ، وفي الآية إشارة إلى أنها قد أحاطت به إحاطة الظرف بالمظروف. قوله : (يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة) وذلك لأنه أول ما يكابد قطع سرته ، ثم إذا قمط قماطا وشد عليه ، يكابد الضيق والتعب ، ثم يكابد الارتضاع ، ولو فاته لضاع ، ثم يكابد نبت أسنانه وتحريك لسانه ، ثم يكابد الفطام الذي هو أشد من اللطام ، ثم يكابد الختان والأوجاع والأحزان ، ثم يكابد المعلم وصولته ، والمؤدب وسياسته ، والأستاذ وهيبته ، ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه والترويج ، ثم يكابد شغل الأولاد والخدم والأجناد ، ثم يكابد شغل الدور وبناء القصور ، ثم الكبر والهرم ، وضغف الركبة والقدم ، ومصائب يكثر تعدادها ، ونوائب يطول إيرادها ، من صداع الرأس ، ووجع الأضراس ، ورمد العين ، وغم الدين ، ويكابد محنا في المال والنفس ، مثل الضرب والحبس ؛ ولا يمضي عليه يوم إلا ويقاسي فيه شدة ويكابد مشقة ، ثم الموت بعد ذلك كله ، ثم سؤال الملكين ، وضغطة القبر وظلمته ، ثم البعث والعرض على الله تعالى ، إلى أن يستقر به القرار ، إما في جنة ، وإما في نار ، هكذا قرره العلماء. قوله : (وهو أبو الأشد) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة وتشديد الدال المهملة ، هو بالإفراد في كثير من النسخ ، تبعا لكثير من المفسرين ، وفي بعض النسخ الأشدين بصيغة التثنية تبعا لبعض المفسرين ، ولينظر وجهها ، واسمه أسيد بن كلدة. قوله : (بقوته) الباء سببية ، ومن قوته أنه كان يجعل الأديم العكاظي تحت قدميه ويقول : من أزالني عنه فله كذا ، فيجذبه عشرة حتى يتمزق ولا تزول قدماه.
قوله : (أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ) أي على بعثه ومجازاته. قوله : (يَقُولُ) أي افتخارا. قوله : (على عداوة محمد) (على) بمعنى في. قوله : (لُبَداً) بضم اللام وكسرها مع فتح الباء ، قراءتان سبعيتان ، جمع لبدة وهو ما تلبد ، والمراد به الكثرة. قوله : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) استفهام إنكاري. قوله : (ليس ما يتكثر به) أي يفتخر بكثرته ، لأنه أنفقه فيما يغضب الله.
قوله : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) أي يبصر بهما المرئيات ، شققناهما له وهو في ظلمة الرحم ، وقدرنا بياضهما وسوادهما ، وأودعناهما البصر على كيفية تعجز الخلق عن إدراكها. قوله : (وَلِساناً) أي يترجم به عما في ضميره. قوله : (وَشَفَتَيْنِ) أي يستر بهما فاه ، ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ وغير ذلك ، وفي الحديث يقول : «يا ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك ، فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق ، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك ، فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق ، وإن