النَّجْدَيْنِ) (١٠) بيّنا له طريقي الخير والشر (فَلَا) فهلا (اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١١) جاوزها (وَما أَدْراكَ) أعلمك (مَا الْعَقَبَةُ) (١٢) التي يقتحمها تعظيم لشأنها ، والجملة اعتراض ، وبيّن سبب جوازها بقوله (فَكُّ رَقَبَةٍ) (١٣) من الرق بأن أعتقها (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) (١٤) مجاعة (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) (١٥) قرابة (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) (١٦) أي لصوق بالتراب لفقره ، وفي قراءة بدل الفعلين مصدران مرفوعان مضاف الأوّل لرقبة ، وينوّن الثاني ، فيقدر قبل العقبة اقتحام ، والقراءة المذكورة بيانه (ثُمَّ كانَ) عطف على اقتحم ، وثم للترتيب الذكري ، والمعنى : كان وقت الاقتحام (مِنَ الَّذِينَ
____________________________________
نازعك فرجك إلى بعض ما حرمت عليك ، فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق» قوله : (طريقي الخير والشر) وصف مكان الخير بالرفعة والنجدية ظاهر ، بخلاف الشر ، فإنه هبوط من ذروة الفطرة إلى حضيض الشقوة ففيه تغليب ، والمعنى : بينا له أن طريق الخير ينجي ، وطريق الشر يردي ، وسلوك الأول ممدوح ، والثاني مذموم ، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود ، وقال عكرمة : النجدان الثديان ، أي لأنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه. قوله : (فهلا) أشار بذلك إلى أن لا بمعنى هلا للتحضيض وهو أحد احتمالين ، والآخر أنها باقية على أصلها للنفي ، أي لم يشكر على تلك النعم الجليلة بالأعمال الصالحة ، إن قلت : لم أفردت لا ، مع أنها إذا دخلت على ماض تكرر كقوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) أجيب : بأنها مكررة في المعنى كأنه قال : فلا فك رقبة ، ولا أطعم مسكينا.
قوله : (اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) هي في الأصل الطريق الصعب في الجبل واقتحامها مجاوزتها ، ثم أطلق على مجاهدة النفس ، في فعل الطاعات وترك المحرمات ، والمراد باقتحامها فعلها وتحصيلها والتلبس بها ، إذا علمت ذلك فقول المفسر جاوزها تفسير لاقتحام العقبة لكن باعتبار الأصل ، وليس مرادا هنا ، فلو قال : أي تلبس بها ودخلها لكان واضحا أو يقال : المراد بالعقبة الطريق التي توصل إلى الجنة ، فإنه ورد : إن بين العبد والجنة سبع عقبات ، والمراد باقتحامها مجاوزتها بفعل الطاعات في الدنيا ، فمعنى قول المفسر (جاوزها) أي فعل أسباب المجاوزة. قوله : (والجملة اعتراض) أي لبيان العقبة قوله : (بأن أعتقها) أي مباشرة وهو ظاهر ، أو تسببا كشراء القريب.
قوله : (ذِي مَسْغَبَةٍ) مصدر ميمي بوزن مفعلة ، من سغب يسغب ، من باب فرع جاع ، وقيد الإطعام بذلك الوقت ، لأن إخراج المال فيه أثقل على النفس. قوله : (ذا مَقْرَبَةٍ) قيد اليتيم بكونه قريبا لأنه يجتمع حينئذ في الإطعام جهة الصلة والصدقة. قوله : (أي لصوق بالتراب) أي فهو كناية عن الافتقار. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (مضاف الأول لرقبة) أي من إضافة المصدر إلى مفعوله. قوله : (فيقدر قبل العقبة) إنما احتيج إلى تقدير هذا المضاف. ليطابق المفسر المفسر ، وذلك لأن المفسر بكسر السين مصدر ، والمفسر بفتحها وهو العقبة غير مصدر ، فلو لم يقدر المضاف لكان المصدر ، وهو فك مفسرا لاسم العين وهي العقبة ، وذلك غير جائز ، وأما القراءة الأولى ، فالفعل فيها بدل من قوله : (اقْتَحَمَ) فلا يحتاج لتقدير مضاف.
قوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) أتى ب (ثُمَ) إشارة لبعد رتبة الإيمان وعلوها ، عن رتبة العتق والصدقة. قوله : (وثم للترتيب الذكري) أي لأن الإيمان هو السابق ، لا يصح عمل إلا به. قوله :