(إِذا مَا ابْتَلاهُ) اختبره (رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ) بالمال وغيره (وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) (١٥) (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ) ضيق (عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) (١٦) (كَلَّا) ردع أي ليس الإكرام بالغنى والإهانة بالفقر ، وإنما هو بالطاعة والمعصية ، وكفار مكة لا ينتبهون لذلك (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) (١٧) لا يحسنون إليه مع غناهم ، أو لا يعطونه حقه من الميراث (وَلا تَحَاضُّونَ) أنفسهم ولا غيرهم (عَلى طَعامِ) أي إطعام (الْمِسْكِينِ) (١٨) (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ) الميراث (أَكْلاً لَمًّا) (١٩) أي
____________________________________
مرتبط بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) فكأنه قيل : إن الله لا يرضى من عباده إلا الطاعة والإخلاص ، لما في الحديث : «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» فأما الإنسان فلا يلتفت لذلك ، لكونه مطبوعا على خلافه ، وإنما يلتفت للعاجل ، وما قررناه سالم من الدسيسة الاعتزالية الواقعة في كلام الزمخشري حيث نفى عن الله إرادة المعاصي والقبائح ونص عبارته ، فإن قلت : بم اتصل قوله : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ)؟ قلت : بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) فكأنه قيل : إن الله لا يريد من الإنسان إلا الطاعة ، فأما الإنسان فلا يريد ذلك ، ولا يهمه إلا العاجلة ا ه. فتدبر.
قوله : (إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) الخ ، إنما سمى كلا من بسط الرزق ، وتقديره ابتلاء ، لأنه يختبر حال العبد في الحالين ، فإذا بسط له الرزق فقد اختبر حاله ، أيشكر أم يكفر؟ وإذا قدر عليه ، فقد اختبر حاله أيصبر أم يجزع؟ فالحكمة فيهما واحدة. قوله : (اختبره) أي عامله معاملة المختبر. قوله : (بالمال وغيره) أي كالجاه والولد. قوله : (وَنَعَّمَهُ) أي جعله متلذذا بتلك النعم. قوله : (فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) أي فضلني وأحسن إلي. قوله : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ مَا) زائدة لوقوعها بعد (إِذا) وكذا يقال في الأولى. قوله : (فَقَدَرَ) بالتخفيف والتشديد قراءتان سبعيتان ، إن قلت : مقتضى المقابلة أن يقول : فأهانه وقدر عليه رزقه ، كما قال : فأكرمه ونعمه. أجيب : بأن البسط إكرام من الله لعبده ، وليس ضده إهانة ، بل ترك للكرامة ، فإذا أهدى لك إنسان هدية فقد أكرمك بها ، وإذا لم يهد إليك فلم يحصل منه إكرام ولا إهانة ، وأيضا فيه إشارة إلى أن تقتير الرزق ، لا يلزم منه أن يكون دليلا على إهانة ، بل قد يكون دليلا على المحبة والتكريم ، لما ورد : أشدكم بلاء : الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل ، فقول العبد : ربي أهانني من قصوره وغفلته ، وإلا فالمطلوب منه أن يرضى ويسلم.
قوله : (فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) أي لم يحسن إلي ولم يفضلني ، في ياء أهانني وأكرمني خلاف بين القراء ، فبعضهم يثبتهما وصلا ووقفا ، وبعضهم يحذفهما في الحالين ، وبعضهم يثبتهما وصلا ويحذفهما وقفا. قوله : (ردع) أي عن الشقين بدليل قوله : (أي ليس الإكرام) الخ. قوله : (وكفار مكة) إلخ ، توطئة للدخول على قوله : (بَلْ لا تُكْرِمُونَ) الخ ، وقوله : (لذلك) أي لكون الإكرام بالطاعة ، والإهانة بالكفر والمعاصي ، وكثير من جهلة المؤمنين يعتقدون هذا الاعتقاد ، وهو غلط وغرور.
قوله : (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) إضراب من قبيح إلى أقبح منه ترقيا في ذمهم. قوله : (وَلا تَحَاضُّونَ) أي يحثون ومفعوله محذوف قدره. بقوله : (أنفسهم ولا غيرهم). قوله : (أي إطعام) أشار بذلك إلى أن الطعام مصدر بمعنى الإطعام ، وفيه إيماء إلى أن إكرام اليتيم ، والحث على إطعام المساكين ،