جابُوا) قطعوا (الصَّخْرَ) جمع صخرة واتخذوها بيوتا (بِالْوادِ) (٩) وادي القرى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) (١٠) كان يتد أربعة أوتاد يشد إليها يدي ورجلي من يعذبه (الَّذِينَ طَغَوْا) تجبروا (فِي الْبِلادِ) (١١) (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) (١٢) القتل وغيره (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ) نوع (عَذابٍ) (١٣) (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١٤) يرصد أعمال العباد فلا يفوتها منها شيء ليجازيهم عليها (فَأَمَّا الْإِنْسانُ) الكافر
____________________________________
عليه ، فسأله عن ذلك فقص عليه ما رأى فأرسل معاوية إلى كعب الأحبار ، فلما أتاه قال : يا أبا إسحاق هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة؟ قال : نعم ، هي إرم ذات العماد ، بناها شداد بن عاد ، قال : فحدثني حديثها ، فقال : لما أراد شداد بن عاد عملها ، أقر عليها مائة قهرمان ، مع كل قهرمان ألف من الأعوان ، وكتب إلى ملوك الأرض أن يمدوهم بما في بلادهم من الجواهر ، فخرجت القهارمة يسيرون في الأرض ليجدوا أرضا موافقة ، فوقفوا على صحراء نقية من التلال ، وإذا فيها عيون ماء ومروج فقالوا : هذه الأرض التي أمر الملك أن نبني فيها ، فوضعوا أساسها من الجزع اليماني ، وأقاموا في بنائها ثلاثمائة سنة ، وكان عمر شداد تسعمائة سنة ، فلما أتوه وقد فرغوا منها قال : انطلقوا فاجعلوا حصنا يعني سورا ، واجعلوا حوله ألف قصر ، وعند كل قصر ألف علم ، ليكون في كل قصر وزير من وزرائي ، ففعلوا ؛ وأمر الملك وزراءه وهو ألف وزير ، أن يتهيؤوا للنقلة إلى إرم ذات العماد ، وكان الملك وأهله في جهازهم عشر سنين ، ثم ساروا إليها ، فلما كانوا من المدينة على مسيرة يوم وليلة ، بعث الله عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعا ، ولم يبق منهم أحد. ثم قال كعب : وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك ، أحمر أشقر قصير على حاجبيه خال ، وعلى عنقه خال ، يخرج في طلب إبل له ، ثم التفت فأبصر عبد الله بن قلابة ، فقال : هذا والله ذاك الرجل ، وهذه المدينة تزعم العامة أنها دائرة في الدنيا ، وهو من الخرافات ، بل هي في مكانها ، غير أن الله تعالى يعمي الخلق عنها ، فلم يهد لها إلا من وعده بها. قوله : (في بطشهم) متعلق بمثلها ، والضمير عائد على القبيلة باعتبار أهلها.
قوله : (الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ) صفة لثمود ، والباء في بالوادي بمعنى في و (ثَمُودَ) عطف على «عاد» وهي قبيلة مشهورة. قوله : (واتخذوها بيوتا) قيل : أول من نحت من الجبال والصخور والرخام ثمود ، وروي أنهم بنوا ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة ، وقيل : سبعة آلاف كلها من الحجارة. قوله : (وادي القرى) موضع بقرب المدينة من جهة الشام. قوله : (كان يتد أربعة أوتاد) الخ ، أي يدقها للمعذب ، ويشهد بها مطروحا على الأرض ، ثم يعذبه بما يريد من ضرب وإحراق وغيرهما.
قوله : (الَّذِينَ طَغَوْا) إما مجرور صفة للمذكورين ، أو منصوب أو مرفوع على الذم. قوله : (نوع) (عَذابٍ) فسره بذلك لقول الفراء : سوط العذاب كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب. والمعنى : أنزل على كل نوعا من العذاب ، فأهلكت عاد بالربح ، وثمود بالصيحة ، وفرعون بالغرق. قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) تعليل لما قبله ، إعلاما بأن كفار قومه عليهالسلام سيصيبهم مثل ما أصاب المذكورين من العذاب. قوله : (يرصد أعمال العباد) أشار بذلك إلى أن في الكلام استعارة تمثيلية ، شبه حفظه تعالى لأعمال عباده ومجازاته عليها ، بحال من قعد على الطريق مترصدا لمن يسلكها ليأخذه فوقع به ما يريد ، واستعير اسم المشبه به للمشبه.
قوله : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ) أما هنا لمجرد التأكيد ، لا للتأكيد مع التفصيل ، لعدم تقدم مقتضيه ، وهو