لتعذبن يا كفار مكة (أَلَمْ تَرَ) تعلم يا محمد (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) (٦) (إِرَمَ) هي عاد الأولى ، فارم عطف بيان أو بدل ومنع الصرف للعلمية والتأنيث (ذاتِ الْعِمادِ) (٧) أي الطول ، كان طول الطويل منهم أربعمائة ذراع (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) (٨) في بطشهم وقوتهم (وَثَمُودَ الَّذِينَ
____________________________________
السرى له مجاز عقلي من الإسناد للزمان ، والمعنى يسرى فيه وكل صحيح. قوله : (هَلْ فِي ذلِكَ) إلخ ، استفهام تقريري لفخامة شأن الأمور المقسم بها ، واسم الإشارة عائد على الأمور المقسم بها. قوله : (القسم) أي الحلف ، وأل جنسية صادقة بالمذكور من الأقسام وهي خمسة ، وكذا يقال في قوله : (وجواب القسم) الخ. قوله : (عقل) سمي حجرا لأنه يحجر صاحبه ويمنعه من القبائح. قوله : (وجواب القسم محذوف) وقيل هو قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) وقيل غير ذلك.
قوله : (أَلَمْ تَرَ) الخ ، شروع في بيان أحوال الأمة الماضية ، وذكر منهم عادا وثمود وفرعون ، لأن أخبارهم كانت معلومة ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ولكنه عام لكل أحد. قوله : (إِرَمَ) هو في الأصل اسم جد عاد ، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليهالسلام ، سميت القبيلة باسم جدهم عاد ، وعاش ألف سنة ومائتي سنة ، وزرق من صلبه أربعة آلاف ولد ، وتزوج ألف امرأة ، ومات كافرا. قوله : (أي الطول) هذا أحد أقوال ، وقيل : إن المراد به الأبنية المرتفعة على العمد ، فكانوا ينصبون الأعمدة فيبنون عليها القصور ، وقيل (ذاتِ الْعِمادِ) ذات القوة والشدة ، قال تعالى : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) وقيل : غير ذلك. قوله : (كان طول الطويل) الخ ، نحوه قول الكازروني : طول الطويل منهم خمسمائة ذراع ، والقصير ثلاثمائة ذراع بذراع نفسه ، ورد ذلك أن ابن العربي بقوله : هو باطل ، لأن في الصحيح : «إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعا في الهواء فلم يزل الخلق ينقصون إلى الآن» ا ه. وقال قتادة : إن طول الرجل منهم اثنا عشر ذراعا.
قوله : (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والقوة ، وهم الذين قالوا : من أشد منا قوة؟ وقيل : هي مدينة بناها شداد بن عاد ، وحاصل قصتها : أنه كان لعاد ابنان شداد وشديد ، فملكا بعده وقهرا العباد والبلاد ، فمات شديد وخلص الملك لشداد ، فملك الدنيا ودانت له ملوكها ، وكان يحب قراءة الكتب القديمة ، فسمع بذكر الجنة وصفتها ، ودعته نفسه إلى بناء مثلها عتوا على الله وتجبرا ، فروى وهب بن منبه عن عبد الله بن قلابة ، أنه خرج في طلب إبل له شردت ، فبينما هو يسير في صحارى عدن ، إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن ، وحول الحصن قصور كثيرة ، فلما دنا منها ظن أن فيها أحدا يسأله عن إبله ، فلم ير خارجا ولا داخلا ، فنزل عن دابته وعقلها ، وسل سيفه ودخل من باب المدينة ، فإذا هو ببابين عظيمين وهما مرصعان بالياقوت الأحمر ، فلما رأى ذلك دهش ، ففتح الباب ودخل ، فإذا هو بمدينة لم ير أحدا مثلها ، فإذا فيها قصور ، في كل قصر منها غرف ، وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة وأحجار اللؤلؤ والياقوت وإذا أبواب تلك القصور مثل مصاريع باب المدينة ، يقابل بعضها بعضا ، وهي مفروشة كلها باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران ، فلما عاين ذلك ولم ير أحدا هاله ذلك ، ثم نظر إلى الأزقة ، فإذا في تلك الأزقة أشجار مثمرة ، وتحت تلك الأشجار أنهار يجري ماؤها في قنوات من فضة ، فقال الرجل في نفسه : هذه الجنة ، وحمل معه من لؤلؤها ومن بنادق مسكها وزعفرانها ، ورجع إلى اليمن وأظهر ما كان معه وحدث بما رأى ، فبلغ ذلك معاوية فأرسل إليه فقدم