وَالْمُؤْمِناتِ) بالاحراق (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) بكفرهم (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) (١٠) أي عذاب إحراقهم المؤمنين في الآخرة ، وقيل في الدنيا بأن خرجت النار فأحرقتهم كما تقدم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (١١) (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) بالكفار (لَشَدِيدٌ) (١٢) بحسب إرادته (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ) الخلق (وَيُعِيدُ) (١٣) فلا يعجزه ما يريد (وَهُوَ الْغَفُورُ) للمذنبين المؤمنين (الْوَدُودُ) (١٤) المتودد إلى أوليائه بالكرامة (ذُو الْعَرْشِ) خالقه ومالكه (الْمَجِيدُ) (١٥) بالرفع المستحق لكمال صفات العلو (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٦) لا يعجزه شيء (هَلْ أَتاكَ) يا محمد (حَدِيثُ الْجُنُودِ) (١٧) (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) (١٨) بدل من الجنود واستغنى
____________________________________
شَهِيدٌ) فيه وعد وعيد.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ) الخ ، أي حرقوهم بالنار ، يقال : فتنت فلانا إذا حرقته. قوله : (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) أي لم يرجعوا عما هم عليه من الكفر ، وفيه دليل على أنهم إن تابوا وآمنوا قبلهم ، وأخرجهم من هذا الوعيد ، والتعبير بثم إشارة إلى أن التوبة مقبولة ، ولو طال الزمان ما لم تحصل الغرغرة. قوله : (فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) هو خبر (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) ودخلت الفاء لما تضمنه المبتدأ من الشرط. قوله : (عَذابُ الْحَرِيقِ) من إضافة المسبب للسبب ، أي عذاب سببه احراق المؤمنين. قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) لما ذكر وعيد الكفار ، أتبعه بذكر ما أعد للمؤمنين. قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي من تحت قصورها وغرفها ، يتلذذون ببردها في نظير الحر الذي صبروا عليه في الدنيا ، ويزول عنهم برؤية ذلك مع خضرة الجنان جميع المضار والأحزان. قوله : (ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) اسم الإشارة عائد على ما ذكر من حيازتهم للجنات ، وعبر بالإشارة المفيدة للعبد ، لعلو درجتهم في الفضل والشرف.
قوله : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) البطش الأخذ بعنف ، فإذا وصف بالشدة كان متضاعفا جدا ، وهو انتقامه وتعذيبه للكفرة. قوله : (بحسب إرادته) رد بذلك على الفلاسفة القائلين : بأنه واجب بالذات كيف وقد قال تعالى (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ). قوله : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) أي ومن كان قادرا على ذلك ، كان بطشه في غاية الشدة. قوله : (وَهُوَ الْغَفُورُ) أي الماحي لذنوب المؤمنين وإن لم يتوبوا ، لأن الآية مذكورة في معرض التمدح ، والتمدح بكونه غفورا مطلقا أتم ، فالحمل عليه أولى. قوله : (المتودد إلى أوليائه بالكرامة) أشار بذلك إلى أن فعولا بمعنى فاعل ، ويصح أن يكون بمعنى مفعول ، أي يوده عبارة ويحبونه. قوله : (الْمَجِيدُ) بالرفع أي وبالجر قراءتان سبعيتان فالرفع على أنه نعت للغفور ، والجر على أنه نعت للعرش ، ومجده علوه وعظمه. قوله : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) أتى بصيغة (فَعَّالٌ) اشارة للكثرة ، وختم به الصفات لكونه كالنتيجة لها ، والمعنى : يفعل ما يريد ، ولا يعترض عليه ولا يغلبه غالب ، فيدخل أولياء الجنة لا يمنعه مانع ، ويدخل أعداءه النار لا ينصرهم منه ناصر ، وفي هذه الآية دليل على أن جميع أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، ولا يجب عليه شيء ، لأن أفعاله بحسب ارادته.
قوله : (هَلْ أَتاكَ) الخ ، يصح أن تكون هل بمعنى قد ، وإن كان سبق له إتيان ، أو لطلب الأخبار إن لم يكن أتاه كما تقدم. قوله : (بدل من الجنود) أي على حذف مضاف ، أي جنود فرعون ، وهو بدل كل من كل ، أو المراد بفرعون هو وقومه ، واكتفى بذكره عنهم لأنهم أتباعه ، وعليه اقتصر المفسر ، وخص