إنائها لا يفك ختمه إلا هم (خِتامُهُ مِسْكٌ) أي آخر شربه يفوح منه رائحة المسك (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) (٢٦) فليرغبوا بالمبادرة إلى طاعة الله (وَمِزاجُهُ) أي ما يمزج به (مِنْ تَسْنِيمٍ) (٢٧) فسر بقوله (عَيْناً) فنصبه بأمدح مقدرا (يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) (٢٨) أي منها أو ضمن يشرب معنى يلتذ (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) كأبي جهل ونحوه (كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) كعمار وبلال ونحوهما (يَضْحَكُونَ) (٢٩) استهزاء بهم (وَإِذا مَرُّوا) أي المؤمنون (بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) (٣٠) أي يشير المجرمون إلى المؤمنين بالجفن والحاجب استهزاء (وَإِذَا انْقَلَبُوا) رجعوا (إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) (٣١) وفي قراءة فكهين معجبين بذكرهم لمؤمنين (وَإِذا رَأَوْهُمْ) رأوا المؤمنين (قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ) (٣٢) لإيمانهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، قال تعالى (وَما أُرْسِلُوا) أي الكفار (عَلَيْهِمْ) على المؤمنين (حافِظِينَ) (٣٣) لهم أو لأعمالهم حتى يردوهم إلى مصالحهم (فَالْيَوْمَ) أي يوم القيامة (الَّذِينَ
____________________________________
قوله : (خِتامُهُ مِسْكٌ) صفة ثانية لرحيق ، وفي قراءة سبعية أيضا خاتمه بتاء مفتوحة بعد الألف بيان الجنس الخاتم ، وقرىء شذوذا بكسر التاء ، والمعنى خاتم رائحته مسك. قوله : (يفوح منه رائحة المسك) أي إن رائحة المسك تظهر في آخر الشراب ، فوجه التخصيص أن في العادة يمل آخر الشراب في الدنيا ، فأفاد أن آخر الشراب ، يفوح منه رائحة المسك ، فلا يمل منه. قوله : (وَفِي ذلِكَ) اشارة للرحيق وما بعده ، أو إلى ما ذكر من أحوال الأبرار. قوله : (الْمُتَنافِسُونَ) أي الذين شأنهم المنافسة ، بكثرة الأعمال الصالحة والنيات الخالصة ، لعلو همتهم وطهارة نفوسهم ، قال تعالى : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ). قوله : (مِنْ تَسْنِيمٍ) اسم للعين ، سميت بذلك لما روي أنها تجري في الهواء مسنمة ، فتصب في أواني أهل الجنة على مقدار الحاجة ، فإذا امتلأت امسكت ، فالمقربون يشربونها صرفا ، وتمزج لسائر أهل الجنة. قوله : (أو ضمن) أشار بذلك إلى أن التضمين إما في الحرف أو في الفعل.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) إلخ ، لما ذكر الله تعالى كرامة الأبرار في الآخرة ، ذكر بعد قبح معاملة الكفار معهم في الدنيا ، تسلية للمؤمنين وتقوية لقلوبهم. قوله : (كأبي جهل ونحوه) أي وهو الوليد بن المغيرة ، والعاصي بن وائل وأصحابهم من أهل مكة. قوله : (ونحوهما) أي كخباب وصهيب وأصحابهم من فقراء المؤمنين. قوله : (رجعوا) أي من مجالسهم. قوله : (انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) أي متلذذين برفعتهم ومكانتهم الموصلة إلى الاستسخار بغيرهم ، ففي الحديث : «إن الدين بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر». وفي رواية : «يكون المؤمن فيهم أذل من الأمة». وفي أخرى : «العالم فيهم أنتن من جيفة حمار» والله المستعان. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (معجبين) راجع للقراءتين ، أي متلذذين بذكرهم المؤمنين وبالضحك.
قوله : (وَإِذا رَأَوْهُمْ) الضمير المرفوع عائد على المجرمين ، أو المنصوب عائد على المؤمنين ، أي إذا رأى المجرمون المؤمنين نسبوهم إلى الضلال. قوله : (لإيمانهم بمحمد) الخ ، أي فهم يرون أنهم على هدى ، والمؤمنون على ضلال ، حيث تركوا النعيم الحاضر ، بسبب شيء غائب لا يرونه. قوله : (وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ) حال من الواو في (قالُوا) أي قالوا ذلك والحال أنهم ما أرسلوا من جهة الله موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم وأعمالهم. قوله : (حتى يردوهم إلى مصالحهم) أي بل أمروا بإصلاح