إيمانهم (لَفِي عِلِّيِّينَ) (١٨) قيل هو كتاب جامع لأعمال الخير من الملائكة ومؤمني الثقلين ، وقيل : هو مكان في السماء السابعة تحت العرش (وَما أَدْراكَ) أعلمك (ما عِلِّيُّونَ) (١٩) ما كتاب عليين هو (كِتابٌ مَرْقُومٌ) (٢٠) مختوم (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (٢١) من الملائكة (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) (٢٢) جنة (عَلَى الْأَرائِكِ) السرر في الحجال (يَنْظُرُونَ) (٢٣) ما أعطوا من النعيم (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (٢٤) بهجة التنعم وحسنه (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ) خمر خالصة من الدنس (مَخْتُومٍ) (٢٥) على
____________________________________
أعد لهم من النعيم الدائم ، إثر بيان محل كتاب الفجار ، وما أعد لهم من العذاب الدائم. قوله : (حقا) وقيل : حرف ردع وزجر ، فتحصل أن في كل واحدة من الأربعة الواقعة في هذه السورة قولين.
قوله : (لَفِي عِلِّيِّينَ) اسم مفرد على صيغة الجمع لا واحد له ، من لفظه سمي بذلك ، إما لأنه سبب العلو إلى أعلى درجات في الجنة ، وإما لأنه مرفوع في السماء السابعة ، لما ورد مرفوعا «عليين في السماء السابعة تحت العرش». قوله : (قيل هو كتاب) الخ ، أي فهو علم على ديوان الخير الذي دون فيه كل عمل صالح للثقلين ، ورد : «أن الملائكة لتصعد بعمل العبد فيستقبلونه ، فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله من سلطانه ، أوحى إليهم : أنتم حفظة على عبدي ، وأنا الرقيب على ما في قلبه ، وإنه أخلص عمله ، فاجعلوه في عليين وقد غفرت له ، وإنها لتصعد بعمل العبد فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله ، أوحى إليهم : أنتم الحفظة على عبدي ، وأنا الرقيب على قلبه ، وإنه لم يخلص لي عمله ، فاجعلوه في سجين ، قال ابن عباس : هو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش ، أعمالهم مكتوبة فيه ، وقال كعب وقتادة : هو قائمة العرش اليمنى ، وقال بعض أهل المعنى : هو علو بعد علو ، وشرف بعد شرف. قوله : (من الملائكة) ظاهره أن الملائكة تكتب أعمالهم ويثابون عليها ، وانظر في ذلك. قوله : (وقيل هو مكان) الخ ، قد يجمع بأن (عِلِّيِّينَ) اسم لكل من الكتاب والمكان. قوله : (ما كتاب عليين) هذا التقدير إنما يحتاج له على القول الثاني في تفسير (عِلِّيِّينَ) لا على الأول قوله : (مختوم) وقيل : الرقم الكتاب ، والمعنى مكتوب فيه : إن فلانا آمن من النار. قوله : (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) أي يحضرونه ويحفظونه ويشهدون بما فيه.
قوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) شروع في بيان عاقبة أمرهم ، إثر بيان حال كتابهم ، على سنن ما مر في شأن الكفار. قوله : (السرر في الحجال) جمع حجلة بفتحتين ، بيت مربع من الثياب الفاخرة يرخى على السرير ، يسمى في العرف الناموسية. قوله : (يَنْظُرُونَ) الجملة حالية من الضمير في خبر (إِنَ) أو مستأنفة ، وقوله : (عَلَى الْأَرائِكِ) متعلق بينظرون. قوله : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ) الخ ، أي إنك إذا رأيتهم ، تعرف أنهم أهل النعمة ، لما ترى في وجوههم من الحسن والبياض ، وفي قلوبهم من السرور والفرح ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم أو لكل من تصح منه المعرفة ، وهذه قراءة العامة ، وقرأ أبو جعفر بالتاء مبنيا للمفعول و (نَضْرَةَ) بالرفع نائب فاعل ، وقرىء بالياء مبنيا للمفعول أيضا مع رفع (نَضْرَةَ) نظرا إلى التأنيث مجازي. قوله : (بهجة التنعم) الخ ، أي لعدم ما يكدره من الأمراض والعلل وخوف الزوال وغير ذلك. قوله : (خالصة من الدنس) أي الكدر ، قال تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ). قوله : (مَخْتُومٍ) (على إنائها) أي لشرفها ونفاستها ، إن قلت : في سورة محمد صلىاللهعليهوسلم (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ) والنهر لا ختم فيه ، فكيف طريق الجمع بين الآيتين؟ أجيب : بأن هذه الأواني غير خمر الأنهار.