أي من ماء الرجل وماء المرأة المختلطين الممتزجين (نَبْتَلِيهِ) نختبره بالتكليف ، والجملة مستأنفة أو حال مقدّرة ، أي مريدين ابتلاءه حين تأهله (فَجَعَلْناهُ) بسبب ذلك (سَمِيعاً بَصِيراً) (٢) (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) بينا له طريق الهدى ببعث الرسل (إِمَّا شاكِراً) أي مؤمنا (وَإِمَّا كَفُوراً) (٣) حالان من المفعول ، أي بينا له في حال شكره أو كفره المقدرة ، وإما لتفصيل الأحوال (إِنَّا أَعْتَدْنا) هيأنا (لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ) يسحبون بها في النار (وَأَغْلالاً) في أعناقهم تشد فيها السلاسل (وَسَعِيراً) (٤) نارا مسعرة أو مهيجة يعذبون بها (إِنَّ الْأَبْرارَ) جمع برّ أو بارّ وهم المطيعون (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) هو إناء شرب الخمر وهي فيه ، والمراد من خمر تسمية للحال باسم
____________________________________
به مني الرجل والمرأة ، ليسارتهما ووضعهما في الرحم. قوله : (أَمْشاجٍ) جمع مشج بفتحتين ، أو مشج بكسر فسكون ، أو مشيج بفتح فكسر كشريف ، والمعنى : من نطفة قد امتزج فيها الماءان ، وكل منهما مختلف الأجزاء ، متباين الأوصاف ، في الرقة والثخن ، فماء الرجل غليظ ابيض ، وماء المرأة رقيق اصفر ، فأيهما علا كان الشبه له ، وإن سبق ماء الرجل ، كان الولد ذكرا ، وعكسه أنثى ، وإن استويا فخنثى مشكل ، وقال ابن عباس : يختلط ماء الرجل بماء المرأة ، فيخلق منهما الولد ، فما كان من عصب وعظم وقوة فمن نطفة الرجل ، وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة. قوله : (أخلاط) جمعه باعتبار تعدد الأوصاف في الماءين كما علمت. قوله : (أي مريدين ابتلاءه) جواب عما يقال : إن الابتلاء بمعنى الاختبار بالتكاليف ، إنما يكون بعد جعله (سَمِيعاً بَصِيراً) لا قبله ، فأجاب : بأنه حال مقدرة مؤولة بقوله : (مريدين ابتلاءه) وإرادة الابتلاء سبب لجعله سميعا بصيرا ، وجعله سميعا بصيرا للابتلاء بالفعل ، فلم يكن في الآية تقديم ولا تأخير. قوله : (فَجَعَلْناهُ) (بسبب ذلك) أي بسبب إرادتنا ابتلاءه. قوله : (سَمِيعاً بَصِيراً) أي عظيم السمع والبصر ، وخصهما بالذكر لأنهما انفع الحواس ، وقدم السمع لأنه انفع في المخاطبات ، ولأن الآيات المسموعة أبين من الآيات المرئية ، ولأن البصر يعم البصيرة ، وهي تتضمن الجميع ، فيكون من ذكر العام بعد الخاص.
قوله : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) تعليل لقوله : (نَبْتَلِيهِ) والمراد بالهداية الدلالة. قوله : (يبعث الرسول) أي جنسه الصادق بآدم وبمن بعده من الرسل إلى سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم. قوله : (وَإِمَّا كَفُوراً) لم يقل كافرا مشاكلة لشاكرا ، إما مراعاة رؤوس الآي ، أو لأن الشاكر قليل والكافر كثير ، فعبر في جانب الكفر بصيغة المبالغة. قوله : (من المفعول) أي وهو الهاء في (هَدَيْناهُ). قوله : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) الخ لف ونشر مشوش ، فهذه الآية راجعة لقوله : (وَإِمَّا كَفُوراً) وقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ) الخ ، راجع لقوله : (إِمَّا شاكِراً.) قوله : (سَلاسِلَ) إما بمنع الصرف كمساجد ، أو بالصرف لمناسبة قوله : (وَأَغْلالاً) فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (وَأَغْلالاً) (في أعناقهم) أي فتجمع أيديهم إلى أعناقهم.
قوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ) الخ ، لما ذكر حال الكفار وجزاءهم في الآخرة ، أتبعه بجزاء الشاكرين ، وأطنب فيه ترغيبا لهم. قوله : (جمع بر) أي كرب وأرباب ، وقوله : (أو بار) أي كشاهد وأشهاد. قوله : (وهم المطيعون) أي المؤمنون الصادقون في إيمانهم وإن اقترفوا الذنوب ، فكل من كان ليس مستوجبا للخلود في النار فهو من الأبرار ، لذكرهم في مقابلة الفجار في قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ