وكان قويا شديد البأس : أنا أكفيكم سبعة عشر ، واكفوني أنتم اثنين ، قال تعالى (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) أي فلا يطاقون كما يتوهمون (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ) ذلك (إِلَّا فِتْنَةً) ضلالا (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بأن يقولوا : لم كانوا تسعة عشر؟ (لِيَسْتَيْقِنَ) ليستبين (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي اليهود صدق النبى صلىاللهعليهوسلم في كونهم تسعة عشر ، الموافق لما في كتابهم (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا) من أهل الكتاب (إِيماناً) تصديقا لموافقة ما أتى به النبي صلىاللهعليهوسلم لما في كتابهم (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) من غيرهم في عدد الملائكة (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك بالمدينة (وَالْكافِرُونَ) بمكة (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا) العدد (مَثَلاً) سموه لغرابته بذلك وأعرب حالا (كَذلِكَ) أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدقه (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما
____________________________________
(خزنتها) أي يتولون أمرها ويتسلطون على أهلها ولا يتألمون منها ، بل هم فيها كخزنة الجنة في الجنة. قوله : (قال بعض الكفار) هو أبو الأشد بن كلدة بن خلف الجمحي ، قال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أمهاتكم ، محمد يخبر أن خزنة النار تسعة عشر ، وأنتم الشجعان ، أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم ، فقال أبو الأشد : أنا اكفيكم منهم سبعة عشر ، عشرة على ظهري ، وسبعة على بطني ، واكفوني انتم اثنين ، وفي رواية أنه قال : أنا أمشي بين أيديكم على الصراط ، فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن ، وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ، ونمضي فندخل الجنة ، فأنزل الله تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً).
قوله : (إِلَّا فِتْنَةً) مفعول ثان لجعل على حذف مضاف ، أي إلا سبب فتنة ، وقوله : (لِلَّذِينَ) صفة لفتنة ، وإنما صار هذا العدد فتنة لهم من وجهين : الأول أن الكفار يستهزئون ويقولون : لم لا يكونون أزيد من ذلك؟ والثاني أن هذا العدد قليل ، كيف يتولى تعذيب أكثر العالم من الجن والإنس ، من اول ما خلق الله إلى قيام الساعة؟ قوله : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) متعلق بجعلنا الثاني ، والمعنى : ليكتسبوا اليقين بنبوة محمد وصدق القرآن ، لما رأوا ذلك موافقا لما في كتابهم. قوله : (من غيرهم) أي غير اليهود فحصل التغاير ، فالمراد بالذين أوتوا الكتاب والمؤمنون أولا اليهود ، والمراد بالذين أوتوا الكتاب ثانيا هم النصارى والمؤمنون المذكورون بعدهم من غير اليهود بل من هذه الأمة ، فاندفع ما يقال إن في الآية تكرارا. قوله : (بالمدينة) حال من (الَّذِينَ) أي حال كونهم بالمدينة ، وهذا من الله إخبار بما سيقع ، لأن السورة نزلت قبل الهجرة بمكة.
قوله : (ما ذا) الخ ، ما اسم استفهام مبتدأ ، وذا موصول خبره ، و (أَرادَ اللهُ) صلة الموصول ، و (مَثَلاً) حال ، والمعنى : ما الذي اراد الله بهذا حال كونه مثلا لا حقيقة لغربته ، لأن هذا العدد أمر غريب لم تسعه عقولنا. قوله : (أي مثل إضلال) اشار به إلى أن الكاف في محل نصب نعت لمصدر محذوف ، أي يضل اضلالا مثل ذلك. قوله : (وهدى مصدقه) بوزن رمى بفتح أوله وسكون ثانيه ، أو بضم أوله وفتح ثانيه. قوله : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) هذا جواب لأبي جهل حين قال : ما لمحمد