لغيرهنّ (مِنْ تَفاوُتٍ) تباين وعدم تناسب (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) أعده إلى السماء (هَلْ تَرى) فيها (مِنْ فُطُورٍ) (٣) صدوع وشقوق (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) كرّة بعد كرّة (يَنْقَلِبْ) يرجع (إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) ذليلا لعدم إدراك خلل (وَهُوَ حَسِيرٌ) (٤) منقطع عن رؤية خلل (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) القربى إلى الأرض (بِمَصابِيحَ) بنجوم (وَجَعَلْناها رُجُوماً) مراجم (لِلشَّياطِينِ) إذا استرقوا السمع ، بأن ينفصل شهاب عن الكوكب كالقبس ، يؤخذ من النار فيقتل الجني أو يخبله ،
____________________________________
وإضافة خلق للرحمن من إضافة المصدر إلى فاعله ، والمفعول محذوف قدره المفسر بقوله : (لهن ولا لغيرهن). قوله : (مِنْ تَفاوُتٍ) بألف بين الفاء والواو ، وبدونها مع تشديد الواو ، قراءتان سبعيتان ، ولغتان بمعنى واحد. قوله : (وعدم تناسب) أي اختلاف يخالف ما تعلقت به القدرة والإرادة ، بل خلقه تعالى مستقيم متناسب على حسب تعلق قدرته وإرادته ، بخلاف صنع العبد ، فقد يأتي على خلاف ما يريده. قوله : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) أي إن أردت العيان بعد الإخبار (فَارْجِعِ) فهو مرتب على قوله : (ما تَرى).
قوله : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) بإدغام لام (هَلْ) في التاء واظهارها ، قراءتان سبعيتان ، هنا وفي الحاقة. قوله : (صدوع وشقوق) أي فلا يطرأ على السماء ، ما دامت الدنيا صدوع ، ولا شقوق لعدم تعلق ارادته بذلك ، فليست كبنيان الخلائق ، يتصدع ويتشقق بطول الزمان ، مع كون صانعه لا يرد ذلك. قوله : (كرة بعد كرة) أشار بذلك إلى أنه ليس المراد من قوله : (كَرَّتَيْنِ) حقيقة التثنية ، بل التكثير بدليل قوله : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ) الخ ، وانقلاب البصر (خاسِئاً) حسيرا ، لا يتأتى بنظرتين ولا ثلاث ، فهو كقولهم : لبيك وسعديك. قوله : (يَنْقَلِبْ) العامة على جزمه في جواب الأمر ، وقرىء برفعه إما على أنه حال مقدرة أو مستأنف حذفت منه الفاء ، والأصل فينقلب. قوله : (ذليلا) أي خاضعا صاغرا متباعدا. قوله : (منقطع) أي بلغ الغاية في الإعياء والتعب.
قوله : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) الخ ، شروع في ذكر أدلة أخرى على توحيده سبحانه وتعالى ، وتمام قدرته وارادته. قوله : (القربى إلى الأرض) أي التي هي أقرب إلى الأرض من باقي السماوات فقربى صيغة تفضيل كما تقول : هند فضلى النساء ، ولا يخالف ما تقدم ، من أن الكواكب ثابتة في العرش أو الكرسي ، لأن السماء شفاقة لا تحجب ما وراءها ، فتزين السماء الدنيا بالكواكب ، لا يقتضي أنها ثابتة فيها ، وهذا في غير الكواكب السبعة التي أشار لها بعضهم بقوله :
زحل شرى مريخه من شمسه |
|
فتزاهرت لعطارد الأقمار |
فإنها مفرقة على السماوات السبع ، في كل سماء كوكب منها ، فزحل في السابعة ، والمشتري في السادسة ، والمريخ في الخامسة ، والشمس في الرابعة ، والزهرة في الثالثة ، وعطارد في الثانية ، والقمر في سماء الدنيا. قوله : (بنجوم) أشار بذلك إلى أنه أطلق المصابيح وأراد النجوم فهو مجاز ، وإلا فحقيقة المصباح السراج. قوله : (رُجُوماً) جمع رجم مصدر ، أطلق على المرجوم به ، ولذا قال المفسر (مراجم) أي أمورا يرجم بها. قوله : (إذا استرقوا السمع) أي أرادوا استراقه. قوله : (بأن ينفصل شهاب) الخ ،