(لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بعد مجيء الذكر والرسول (مِنَ الظُّلُماتِ) الكفر الذي كانوا عليه (إِلَى النُّورِ) الإيمان الذي قام بهم بعد الكفر (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ) وفي قراءة بالنون (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) (١١) هو رزق الجنة التي لا ينقطع نعيمها (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) يعني سبع أرضين (يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ) الوحي (بَيْنَهُنَ) بين السماوات والأرض ، ينزل به جبريل من السماء السابعة إلى الأرض السابعة (لِتَعْلَمُوا) متعلق بمحذوف ، أي أعلمكم بذلك الخلق والتنزيل (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) (١٢).
____________________________________
في قوله : (بفاحشة مبينة) من أن المفتوح من المتعدي ، والمكسور من اللازم ، أي بينها الله ، أو هي بينة في نفسها. قوله : (لِيُخْرِجَ) متعلق بيتلو ، فالضمير راجع لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، أو متعلق بأنزل ، فالضمير عائد على الله تعالى ، وكل صحيح. قوله : (وفي قراءة بالنون) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (خالِدِينَ فِيها) حال مقدرة ، أي مقدرين الخلود. قوله : (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) أي عظيما عجيبا ، والجملة حال ثانية ، أو حال من الضمير في (خالِدِينَ) فتكون متداخلة.
قوله : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) عامة القراء على نصب مثلهن ، ووجه أنه معطوف على (سَبْعَ سَماواتٍ) أو مفعول لمحذوف تقديره : وخلق مثلهن من الأرض ، وقرىء شذوذا بالرفع على الابتداء ، والجار والمجرور خبره مقدم عليه. قوله : (يعني سبع أرضين) اعلم أن العلماء أجمعوا على أن السماوات سبع طباق ، بعضها فوق بعض ، وأما الأرضون فالجمهور على أنها سبع كالسماوات بعضها فوق بعض ، وفي كل أرض سكان من خلق الله ، وعليه فدعوة الإسلام مختصة بأهل الأرض العليا ، لأنه الثابت والمنقول ، ولم يثبت أنه صلىاللهعليهوسلم ، ولا أحد ممن قبله ، نزل إلى الأرض الثانية ، ولا غيرها من باقي الأرضين ، وبلغهم الدعوة ، وهل جعل الله لما تحت الأرض العليا ضوءا آخر غير الشمس والقمر ، أو يستمدون الضوء منهما؟ قولان للعلماء ، وقيل : إنها طباق ملزوقة بعضها ببعض ، وقيل : ليست طباقا بل منبسطة تفرق بينها البحار ، وتظل الجميع السماء ، والأول هو الأصح. قوله : (ينزل به جبريل) أي بالوحي بمعنى التصريف ، والمعنى : أن أمر الله وقضاءه ، يجري وينزل من السماء السابعة إلى الأرض السابعة ، فهو سبحانه وتعالى متصرف في كل ذرة منها ، وأما إن أريد بالوحي وحي التكليف بالأحكام ، فالمراد بقوله : (بَيْنَهُنَ) أي بين السماوات والأراضي السبع ، فيكون فوق الأرض وتحت السماوات. قوله : (متعلق بمحذوف) أي على أنه علة له ، والمعنى : حكمة إعلامه لكم بهذا الخلق ، صيرورتكم علماء بأن الله على كل شيء قدير ، الخ.
قوله : (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي من غير هذا العالم ، بحيث يمكن أن يخلق خلقا آخر أبدع من هذا العالم ، وهذا كله بالنظر للإمكان العقلي ، فلا يخالف ما نقل عن الغزالي من قوله : ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لأن معناه تعلق علم الله في الأزل ، بأنه لا يخلق عالما غير هذا العالم ، فمن حيث تعلق العلم بعدمه ، صار غير ممكن ، لأنه لو وقع لانقلب العلم جهلا ، فهي استحالة عرضية ، وهناك أجوبة أخر ذكرناها في كتاب الجوهرة.