بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) قاربن انقضاء عدتهن (فَأَمْسِكُوهُنَ) بأن تراجعوهن (بِمَعْرُوفٍ) من غير ضرار (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) اتركوهن حتى تنقضي عدتهن ولا تضاروهن بالمراجعة (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) على الرجعة أو الفراق (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) لا للمشهود عليه أو له (ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (٢) من كرب الدنيا والآخرة (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) يخطر بباله (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي في أموره (فَهُوَ حَسْبُهُ) كافيه (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) مراده ، وفي قراءة بالإضافة (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ) كرخاء وشدة
____________________________________
عدتهن) أي فالكلام على سبيل المجاز. قوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي بحسن عشرة وانفاق وتحمل أذى وغير ذلك. قوله : (بأن تراجعوهن) تصوير للامساك. قوله : (ولا تضاروهن بالمراجعة) بيان للمعروف في الامساك ، والمعنى : أنه إذا أراد امساكها راجعها ، لقصد بقاء الزوجية لا لقصد ضررها ، والأوضح أن يقول : فلا تضاروهن عند الفراق بأن تتكلموا في حقهن ونحو ذلك ، وأما مضارتهن بالامساك ، فقد علم نفيها من قوله تعالى (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ.) قوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ) أي صاحبي عدالة. قوله : (على الرجعة) أي لتظهر ثمرتها بعد ذلك في الارث إذا مات أو ماتت ، وفيما إذا ادعى الرجعة بعد انقضاء العدة وأنكرت. قوله : (أو الفراق) أي الطلاق لتظهر ثمرة الاشهاد بعد ذلك ، إذا ادعت عليه الطلاق وأنكر ، وهذا الاشهاد مندوب عند مالك وأبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه ، والآخر أنه واجب عند الرجعة ، مندوب عند الفراق.
قوله : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) أي لوجهه ولا تراعوا المشهود له ولا المشهود عليه ، وإنما حث على أداء الشهادة لما فيه من العسر على الشهود ، لأنه ربما يؤدي إلى أن يترك الشاهد مهماته ، ولما فيه من عسر لقاء الحاكم الذي يؤدي عنده ربما بعد مكانه ، وكان للشاهد عوائق. قوله : (ذلِكُمْ) أي المذكور من أول السورة إلى هنا. قوله : (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي وأما من لم يكن متصفا بذلك ، فهو لقساوة قلبه لا يوعظ ، لأنه لم ينتفع به. قوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الخ ، هذه الجملة اعتراضية في أثناء الأحكام المتعلقة بالنساء ، إشارة إلى أنه لا يصبر على تلك الأحكام ولا يعمل بها إلا أهل التقوى ، والأحسن أن يراد من هذه العموم لا خصوص التقوى في أمر النساء ، قال أكثر المفسرين : نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعي ، أسر المشركون ابنا له يسمى سالما ، فأتى عوف إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يشتكي اليه الفاقة وقال : إن العدو اسر ابني وجزعت الأم فما تأمرني؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اتق الله واصبر ، وآمرك وإياها أن تستكثرا من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فعاد إلى بيته وقال لامرأته : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمرني وإياك أن نكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فقالت : نعم ما أمرنا به ، فجعلا يقولان ، فغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم وهي أربعة آلاف شاة ، واستاق من إبلهم خمسين بعيرا كما في رواية ، وجاء بها إلى المدينة ، فقال أبوه للنبي صلىاللهعليهوسلم : أيحل لي أن آكل مما أتى به ابني؟ فقال : «نعم» ونزلت الآية.
قوله : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي من فوض أمره اليه كفاه ما أوهمه ، والأخذ في الأسباب لا ينافي التوكل ، لأنه مأمور به ، لكن لا يعتمد على تلك الأسباب. قوله : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ)