ذلك وقد فعله بعد فتح مكة (وَاللهُ غَفُورٌ) لهم ما سلف (رَحِيمٌ) (٧) بهم (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ) من الكفار (فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ) بدل اشتمال من الذين (وَتُقْسِطُوا) تفضوا (إِلَيْهِمْ) بالقسط أي بالعدل ، وهذا قبل الأمر بجهادهم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٨) العادلين (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا) عاونوا (عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) بدل اشتمال من الذين ، أي تتخذوهم أولياء (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٩) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ) بألسنتهن (مُهاجِراتٍ) من الكفار بعد الصلح معهم في الحديبية ، على أن من جاء منهم إلى المؤمنين يرد
____________________________________
قوله : (وقد فعله) أي بأن أسلم غالب كفار مكة ، فصاروا أحبابا وإخوانا. قوله : (وَاللهُ غَفُورٌ) (لهم) أي للذين عاديتموهم ، بأن محا عنهم ما سلف بسبب الإيمان.
قوله : (لا يَنْهاكُمُ) نزلت هذه الآية لتخصيص الحكم النازل أول السورة ، لأن الآية الأولى عامة في سائر الكفار مطلقا ، ولو كانوا مصالحين ، ثم بين هنا ، أن من كان من الكفار بينهم وبين المسلمين صلح ومهادنة ، تجوز مودتهم ، ولم يكن النهي شاملا لهم كخزاعة وبني الحرث ، وعلى هذا تكون الآية محكمة ، فيجوز الآن للمسلمين مواددة الكفار الذين تحت الذمة والصلح ، وقيل : إن المراد بقوله : (لَمْ يُقاتِلُوكُمْ) أي لم يبتدئوكم بالقتال ، ولو لم يكن بينكم وبينهم صلح ، وهذا كان في أول الأمر بالجهاد ، ثم نسخ بالأمر بالقتال عموما بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.) قوله : (فِي الدِّينِ) أي لأجل دينكم. قوله : (بدل اشتمال) أي فالمعنى : لا ينهاكم الله عن أن تبروهم ، والبر هو الإحسان. قوله : (تفضوا) إنما فسر (تُقْسِطُوا) بمعنى (تفضوا) ليصح تعديته بإلى. قوله : (أي بالعدل) هذا لا يخص هؤلاء فقط ، بل العدل واجب مع كل أحد ولو قاتل ، فالأولى تفسيره بالإعطاء ، أي تعطوهم قسطا من أموالكم ، فعطف القسط على البر ، من عطف الخاص على العام. قوله : (وهذا قبل الأمر بجهادهم) يشير بذلك إلى أن الآية منسوخة وقد علمت ما فيه. قوله : (العادلين) أي على تفسير القسط بالعدل ، وعلى تفسير القسط بالإعطاء ، فالمراد بالمقسطين المحسنون. قوله : (وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أي وهم أهل مكة. قوله : (بدل اشتمال) أي إنما ينهاكم الله عن أن توالوهم. قوله : (الظَّالِمُونَ) فيه مراعاة معنى من بعد مراعاة لفظها.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لما أمر الله المسلمين بهجر الكفار ، اقتضى ذلك عدم مساكنتهم والهجرة إلى المسلمين ، خوفا من الموالاة المنهي عنها ، وكان التناكح من أقرب أسباب الموالاة بين أحكام الزوجين في هذه الآية ، وسبب نزولها : أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما عقد الصلح مع الكفار عام الحديبية على شرط أن من أتى النبي من أهل مكة يرده إليهم وإن كان مسلما ، جاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مهاجرة للنبي ، فجاء زوجها صيفي بن الراهب ، وقيل المسافر المخزومي ، وكان كافرا فقال : يا محمد اردد علي امرأتي ، فأنت شرطت ذلك ، فأنزل الله هذه الآية ، فاستحلفها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحلفت ، فأعطى زوجها ما أنفق ، وتزوجها عمر بن الخطاب. قوله : (بألسنتهن) أي ناطقات بالشهادتين بألسنتهن. قوله : (من الكفار) أي حال كونهن من جملة الكفار ، أو متعلق بجاءكم. قوله : (بعد الصلح) متعلق بمهاجرات أو