قل فمن يملك لكم من الله شيئا واستغفاره له قبل أن يتبين له أنه عدو لله ، كما ذكره في براءة (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (٤) من قول الخليل ومن معه ، أي قالوا (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي لا تظهرهم علينا ، فيظنوا أنهم على الحق فيفتنوا ، أي تذهب عقولهم بنا (وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٥) في ملكك وصنعك (لَقَدْ كانَ لَكُمْ) يا أمة محمد جواب قسم مقدر (فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ) بدل اشتمال من كم بإعادة الجار (يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) أي يخافهما أو يظن الثواب والعقاب (وَمَنْ يَتَوَلَ) بأن يوالي الكفار (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عن خلقه (الْحَمِيدُ) (٦) لأهل طاعته (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ) من كفار مكة طاعة لله تعالى (مَوَدَّةً) بأن يهديهم للإيمان فيصيروا لكم أولياء (وَاللهُ قَدِيرٌ) على
____________________________________
ليس مرادا ، وإن كان معناه الوضعي. قوله : (فمن يملك) هذا دليل للمعنى الوضعي الغير المراد. قوله : (واستغفاره) هذا بيان لعذار ابراهيم في استغفاره لأبيه ، وذلك أنه لم يستغفر له إلا لرجاء إيمانه ، ولما مات على الكفر رجع عن ذلك ، كما قال تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ) الخ. والحاصل أن ابراهيم وعد أباه بالاستغفار في سورة مريم بقوله : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) واستغفر له بالقول في سورة الشعراء في قوله تعالى : (وَاغْفِرْ لِأَبِي) ثم رجع عن ذلك كما بينه الله في سورة براءة. قوله : (من قول الخليل) الخ ، أي الذي يقتدى به فيه ، فهو في المعنى مقدم على جملة الاستثناء. قوله : (أي قالوا) أي فهو مقول القول السابق في (قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) أي قالوا ذلك وقالوا (رَبَّنا) الخ ، ويصح أن يكون أمرا من الله للمؤمنين ، تتميما لما أمرهم به من ترك موالاة الكفار ، أي أظهروا لهم العداوة ، ولا يهولكم أمرهم ، وقالوا (رَبَّنا) الخ ، ومعنى (تَوَكَّلْنا) فوضنا أمرنا ، وقوله : (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) أي رجعنا بالتوبة عن كل ما تكره منا ، وقوله : (إِلَيْكَ الْمَصِيرُ) المرجع في الآخرة. قوله : (أي لا تظهرهم) أي تجعلهم غالبين علينا ، وقوله : (فيظنوا أنهم على الحق) يعني إن ظفروا بنا ، وقوله : (فيفتنوا) أي يزدادوا كفرا ويدوموا عليه ، لأن الاستدراج يوجب زيادة الكفر. قوله : (وَاغْفِرْ لَنا) أي ما مضى من الذنوب.
قوله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ) هذه الجملة تأكيد لقوله سابقا (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ) الخ ، أتى بها للمبالغة في التحريض على الاتباع لإبراهيم وأمته. قوله : (أو يظن الثواب والعقاب) تفسير ثان لمعنى الرجاء والمراد بظن الثواب الخ الإيقان بذلك. قوله : (وَمَنْ يَتَوَلَ) أي يعرض عن الاقتداء بإبراهيم ، وجواب الشرط محذوف تقديره فوباله على نفسه ، وقوله : (فَإِنَّ اللهَ) الخ ، تعليل للجواب.
قوله : (عَسَى اللهُ) الخ ، هذا تسلية للمؤمنين ، في عدم موالاة الكفار الذين أمروا به في أول السورة ، فشدد المسلمون على أنفسهم في هجر الكفار ، فوعد الله المسلمين بإسلام أقاربهم الكفار ، فيوالونهم موالاة جائزة مطلوبة ، ويجمع الله الشمل بعد التفرق. قوله : (مِنْهُمْ) أي من الكفار ، فهو حال من (الَّذِينَ) أي حال كون الذين عاديتموهم من جملة الكفار ، وقوله : (طاعة الله) مفعول لأجله ، أي حصلت المعاداة لأجل طاعة الله. قوله : (وَاللهُ قَدِيرٌ) أي فلا يستبعد عليه ذلك الجعل المذكور.