إِبْراهِيمَ) أي به قولا وفعلا (وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا) جمع بريء كظريف (مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ) أنكرناكم (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً) بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية واوا (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) مستثنى من أسوة ، أي فليس لكم التأسي به في ذلك بأن تستغفروا للكفار ، وقوله (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ) أي من عذابه وثوابه (مِنْ شَيْءٍ) كنى به عن أنه لا يملك له غير الاستغفار ، فهو مبني عليه مستثنى من حيث المراد منه ، وإن كان من حيث ظاهره مما يتأسى فيه ،
____________________________________
السورة ، ذكر مناقضة ابراهيم وقومه ، وأن طريقة التبرؤ من أهل الكفر ، وألزم أمة محمد بالاقتداء به في ذلك ، وفيه توبيخ لحاطب ومن والى الكفار. قوله : (بكسر الهمزة وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان ، وقوله : (في الموضعين) أي وهذا قوله الآتي (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ) ومعناها عليهما الاتباع والاقتداء كما قال المفسر.
قوله : (فِي إِبْراهِيمَ) جار ومجرور متعلق بأسوة ، ورد بأنه لا يجوز عمل المصدر الموصوف ، وأجيب بأنه يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها ، ويصح أنه متعلق بحسنة ، تعلق الظرف بالعامل ، ويصح أنه نعت ثان لأسوة ، وإنما خص التأسي بإبراهيم ، لأنه صبر على أذى عدو الله النمروذ ، ولم يكن معه أحد يعينه عليه ، مع تفرده بملك الأرض مشرقا ومغربا. قوله : (قولا وفعلا) تمييز مبين لجهة الاقتداء ، أي اقتدوا به في القول والفعل ، فإنه لم يبال بالكفار ، ولا بشدتهم وضعفه. قوله : (وَالَّذِينَ مَعَهُ) (من المؤمنين) يحتمل أن المراد بالمعية وهو في أرض بابل ، وحينئذ لم يكن معه إلا لوط ولد أخيه ، وسارة زوجته ، أو المراد بعد مجيئه إلى الشام ، وحينما كثر المؤمنون به.
قوله : (إِذْ قالُوا) هذا بدل اشتمال من (إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) والمراد بقومهم النمروذ وجماعته ، أي فبارزوهم بالعداوة ولم يبالوا بهم ، مع شدة بأسهم وضعف المؤمنين. قوله : (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) أي من دينكم وآلهتكم. قوله : (وَبَدا) أي ظهر بيننا وبينكم العداوة على ممر الأزمان ، بدليل ذكر الأبد ، والعداوة المباينة ظاهرا ، والبغضاء المباينة بالقلوب ، وفي الحقيقة هما متلازمان. قوله : (بتحقيق الهمزتين) الخ ، أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (مستثنى من أسوة حسنة) أي وساغ ذلك ، لأن القول من جملة الأسوة ، فكأنه قيل لكم فيه أسوة في أفعاله وأقواله ، إلا قوله كذا. قوله : (أي فليس لكم التأسي به) أي لأن استغفاره له لرجائه إسلامه ، فلما ظهر أنه عدو لله تبرأ منه.
قوله : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) هذه الآية باعتبار معناها الوضعي ، تكون من جملة ما يقتدى به فيه ، لأن محصله أنه لا يملك له ثوابا ولا عقابا ، على حد ليس لك من الأمر شيء ، وهذا ثابت لإبراهيم وغيره ، وليس مرادا هنا ، بل المراد معناها الكنائي ، وهو أنه لا يملك له غير الاستغفار ، فهو غير مقتدى به فيه ، وحينئذ فقوله : (وَما أَمْلِكُ) معطوف على (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) وأشار المفسر لذلك بقوله : (كنى به) الخ. قوله : (فهو مبني عليه) أي معطوف على (لَأَسْتَغْفِرَنَ) ومرتبط به ساقه اعتذارا. قوله : (مستثنى من حيث المراد منه) أي وهو المعنى الكنائي. قوله : (وإن كان من حيث) الخ ، مبالغة على أنه