تَفَسَّحُوا) توسعوا (فِي الْمَجالِسِ) مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم أو الذكر حتى يجلس من جاءكم ، وفي قراءة المجالس (فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) في الجنة (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) قوموا إلى الصلاة وغيرها من الخيرات (فَانْشُزُوا) وفي قراءة بضم الشين فيهما (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) بالطاعة في ذلك (وَ) يرفع (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) في الجنة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١١) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) أردتم مناجاته (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ) قبلها (صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ
____________________________________
الذي كان في أذنيه ، فوسعوا له حتى قرب من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم ضايقه بعضهم ، وجرى بينه وبينهم كلام ، فنزلت. وعلى كل حال ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فيتناول أي مجلس كان ، سواء كان مجلس علم أو ذكر أو صلاة أو قتال أو غير ذلك ، لما ورد : «لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ، ولكن تفسحوا وتوسعوا ، ولا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ، ولكن ليقل : افسحوا» وقوله في الحديث «لا يقيمن أحدكم» الخ ، استفيد منه أن القادم لا يقيم الجالس ، وأما قيام الجالس من نفسه له ، تواضعا وأدبا ، أو كبير المجلس يقيم أحدا من الجالسين لمصلحة ، فلا بأس بذلك. قوله : (مجلس النبي) أي فإنهم كانوا يتضامنون فيه ، حرصا على القرب منه واستماع كلامه. قوله : (وفي قراءة المجالس) أي والجمع باعتبار أن لكل واحد مجلسا ، والقراءتان سبعيتان.
قوله : (يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) مجزوم في جواب الأمر الواقع جوابا للشرط. قوله : (في الجنة) أي والدنيا والقبر والقيامة. قوله : (وغيرها) أي كالجهاد وكل خير ، وقيل : معنى انشزوا ارتفعوا عن مواضعكم حتى توسعوا لإخوانكم ، قيل : كان رجال يتثاقلون عن الصلاة في الجماعة إذا نودي لها ، فنزلت هذه الآية ، والمقصود العموم في كل ما يطلب فيه النهوض والإسراع ، ففيه حثّ على التشمير عن ساعد الجد والاجتهاد في الطاعات وترك التكاسل. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا ، وكلاهما لغتان فصيحتان ، من بابي ضرب ونصر. قوله : (في ذلك) أي القيام إلى الصلاة ونحوها. قوله : (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) معطوف على (الَّذِينَ آمَنُوا) عطف خاص على عام ، لأن الذين أوتوا العلم بعض المؤمنين ، لكن لما جمع العلماء بين العلم والعمل ، استحقوا رفع درجات والاقتداء بهم في أقوالهم وأفعالهم.
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) الخ ، الحكمة في هذا الأمر ، تعظيم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وانتفاع الفقراء ، والنهي عن الإفراط في السؤال ، والتمييز بين المخلص والمنافق ، ومحب الدنيا ومحب الآخرة ، واختلف في هذا الأمر ، فقيل للندب ، وقيل للوجوب ، روي عن علي كرّم الله وجهه أنه قال : إن في كتاب الله آية ما عمل بها أحد غيري ، كان لي دينار فصرفته بعشرة دراهم ، وناجيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عشر مرات ، أتصدق في كل مرة بدرهم ، وكان يقول : آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي ، وهي آية المناجاة. وروي عنه أيضا قال : لما نزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) قال لي النبي صلىاللهعليهوسلم ما ترى دينارا؟ قلت : لا يطيقونه ، قال : فنصف دينار؟ قلت : لا يطيقونه ، قال : فكم؟ قلت : شعيرة ، قال : إنك لزهيد ، أي قليل المال ، ففي هذه الآية منقبة عظيمة لعلي بن أبي طالب ، وليس فيها ذم لغيره من الصحابة ، وذلك لأنه لم يتسع الوقت ليعملوا بهذه الآية ، ولو اتسع الوقت ، لم يتخلفوا عن العمل بها ، وعلى القول