الشديد وأسوأ الجزاء (جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ) بتحقيق الهمزة الثانية وإبدالها واوا (النَّارُ) عطف بيان للجزاء المخبر به عن ذلك (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) إي إقامة الانتقال منها (جَزاءُ) منصوب على المصدر بفعله المقدر (بِما كانُوا بِآياتِنا) القرآن (يَجْحَدُونَ) (٢٨) (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) في النار (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي إبليس وقابيل سنّا الكفر والقتل (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) في النار (لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) (٢٩) أي أشد عذابا منا (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) على التوحيد وغيره مما وجب عليهم (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) عند الموت (أَلَّا) بأن لا
____________________________________
قوله : (أي أقبح جزاء عملهم) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، دفعا لما قد يتوهم ، أنهم يجزون بنفس عملهم الذي عملوه في الدنيا كالكفر مثلا ، والمعنى أن المستهزئين برسول الله يجازون بأقبح جزاء أعمالهم ، وفي هذه الآية وعيد لكل من يفعل اللغط في حال قراءة القرآن ، ويشوش على القارىء ويخلط عليه ، فإنه حرام بإجماع ، إن لم يقصد إبطال النفع بالقرآن كراهة فيه ، وإلا فهو كافر.
قوله : (ذلِكَ) أي المذكور من الأمرين كما قال المفسر. قوله : (بتحقيق الهمزة الثانية) أي الكائنة أول أعداء ، والقراءتان سبعيتان. قوله : (عطف بيان) هذا أحد أوجه في إعرابها ، ويصح أن يكون بدلا من (جَزاءُ) ورد بأن البدل يصح حلول المبدل منه محله ، وهنا لا يصح لأنه يصير التقدير ذلك النار ، ويصح أن يكون مبتدأ ، و (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) خبره ، ويصح أن يكون خبر مبتدأ محذوف. قوله : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) في الكلام تجريد ، وهو أن ينتزع من أمر ذي صفة ، أمرا آخر موافقا له في تلك الصفة على سبيل المبالغة ، فقد انتزع من النار دارا أخرى سماها دار الخلد ، والمعنى أن الدار نفسها هو الخلد. قوله : (منصوب على المصدر بفعله المقدر) والتقدير يجزون جزاء. قوله : (بِآياتِنا) الباء إما زائدة أو ضمن (يَجْحَدُونَ) معنى يكفرون ، فعداه بالباء. قوله : (في النار) حال من فاعل (قالَ).
قوله : (أَرِنَا) أصله أرأينا ، فالراء فاء الكلمة ، والهمزة الثانية عينها ، والياء لامها ، حذفت الياء لبناء الفاعل على حذفها ، ونقلت حركة الهمزة للساكن قبلها ، فسقطت الهمزة وصار وزنه أفنا وهي بصرية ، تعدت بالهمزة للمفعول الثاني الذي هو الاسم الموصول ، ومفعولها الأول الضمير. والمعنى صيرنا رائين بأبصارنا. قوله : (مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي لأن الشيطان على قسمين : جني وإنسي ، كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) وقدم الجن لأنهم أصل الضلال. قوله : (سنا الكفر والقتل) لف ونشر مرتب ، فقابيل أخو هابيل ، فهو أول من سن القتل ، وإبليس أول من كفر بالله. قوله : (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) أي إما حقيقة فيكونان أشد عذابا منا ، أو هو كناية عن كونهم في الدرك الأسفل. قوله : (لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) أي في دركات النار.
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) إلخ ، شروع في بيان حال المؤمنين ، إثر بيان وعيد الكفارين. والمعنى : قالوا ربنا الله اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته. قوله : (ثُمَّ اسْتَقامُوا) أي ظاهرا أو باطنا ، بأن فعلوا المأمورات ، واجتنبوا المنهيات ، وداموا على ذلك إلى الممات ، قال عمر بن الخطاب : الاستقامة إن تستقيم على الأمر والنهي ، ولا تزوغ زوغان الثعلب. قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق. قوله : (عند الموت) أي أو عند الخروج من القبر ، ولا مانع من الجمع ، والمراد ملائكة الرحمة