(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣٩) (مَنْ) موصولة مفعولة العلم (يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُ) ينزل (عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٤٠) دائم هو عذاب النار ، وقد أخزاهم الله ببدر (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِ) متعلق بأنزل (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ) اهتداؤه (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (٤١) فتجبرهم على الهدي (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ) يتوفى (الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) أي يتوفاها وقت النوم (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي وقت موتها ، والمرسلة نفس التمييز تبقى بدونها نفس الحياة بخلاف العكس (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآياتٍ) دلالات (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٢) فيعلمون أن القادر على ذلك قادر على
____________________________________
قوله : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا) إلخ ، هذا الأمر للتهديد. قوله : (حالتكم) أي وهي الكفر والعناد ، وفيه تشبيه الحال بالمكان ، بجامع الثبوت والاستقرار في كل. قوله : (مفعولة العلم) أي لأنها بمعنى عرف ، فتنصب مفعولا واحدا. قوله : (يُخْزِيهِ) أي يهينه ويذله. قوله : (لِلنَّاسِ) أي لمصالح الناس في معاشهم ومعادهم. قوله : (متعلق بأنزل) ويصح أن يكون متعلقا بمحذوف حال ، إما من فاعل أنزل ، أو من مفعوله. قوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) هذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم ، والمعنى ليس هداهم بيدك ولا في ضمانتك ، حتى تقهرهم وتجبرهم عليه ، وإنما هو بيدنا ، فإن شئنا أبقيناهم على ما هم عليه من الضلال.
قوله : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) أي يقبض الأرواح عند حضور آجالها ، فالنفس والروح شيء واحد على التحقيق ، وذلك القبض ظاهر ، بحيث ينعدم التمييز والإحساس ، وباطنا بحيث تنعدم الحياة والنفس والحركة. قوله : (وَ) (يتوفى) (الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) أشار بذلك إلى أن الموصول معطوف على (الْأَنْفُسَ) مسلط عليه (يَتَوَفَّى) والمعنى يقبض الأرواح التي لم تحضر آجالها عند نومها ظاهرا ، بحيث ينعدم التمييز والإحساس لا باطنا ، فإن الحياة والنفس والحركة باقية ، ولذا عرفوا النوم بأنه فترة طبيعية ، تهجم على الشخص قهرا عليه ، تمنع حواسه الحركة ، وعقله الإدراك ، وأما في حالة اليقظة ، فالروح سارية في الجسد ظاهرا وباطنا ، لأنها جسم لطيف شفاف ، مشتبك بالاجسام الكثيفة ، اشتبكاك الماء بالعود الأخضر على هيئة جسد صاحبها ، وقيل مقرها القلب ، وشعاعها مقوم للجسد ، كالشمعة الكائنة وسط آنية من زجاج ، فأصلها في وسطه ، ونورها سار في جميع أجزائه.
قوله : (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) أي لا يردها إلى جسدها ، وتحيا حياة دنيوية. قوله : (أي وقت موتها) ظاهره أن قوله : (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) راجع لقوله : (وَيُرْسِلُ الْأُخْرى) فقط ، ويصح رجوعه له وللذي قبله ، ويراد بالأجل المسمى في الممسوكة النفخة الثانية. قوله : (نفس التمييز) أي والإحساس. قوله : (نفس الحياة) أي والحركة والنفس. قوله : (بخلاف العكس) أي فمتى ذهبت نفس الحياة ، لا تبقى نفس التمييز والإحساس ، واعلم أنه اختلف ، هل في الإنسان روح واحدة والتعدد باعتبار أوصافها وهو التحقيق ، أو روحان : إحداهما روح اليقظة ، التي أجرى الله العادة بأنها إذا كانت في الجسد كان الإنسان متيقظا ، فإذا خرجت منه ، نام الإنسان ورأت تلك الروح المنامات ، والأخرى : روح الحياة ، التي أجرى الله العادة بأنها إذا كانت في الجسد كان حيا ، فإذا فارقته مات ، فإذا رجعت إليه حيي ، وكلام المفسر محتمل للقولين. قوله : (المذكور) أي من التوفي والإمساك والإرسال. قوله :