تمييز ، أي لا يستوي العبد لجماعة ، والعبد لواحد ، فإن الأول إذا طلب منه كل من مالكيه خدمته في وقت واحد ، تحير فيمن يخدمه منهم ، وهذا مثل للمشرك ، والثاني مثل للواحد (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وحده (بَلْ أَكْثَرُهُمْ) أي أهل مكة (لا يَعْلَمُونَ) (٢٩) ما يصيرون إليه من العذاب فيشركون (إِنَّكَ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم (مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٣٠) ستموت ويموتون فلا شماتة بالموت ، نزلت لما استبطؤوا موته صلىاللهعليهوسلم (ثُمَّ إِنَّكُمْ) أيها الناس فيما بينكم من المظالم (يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٣١) (فَمَنْ) أي لا أحد (أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) بنسبة الشريك والولد إليه (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ) بالقرآن (إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً) مأوى (لِلْكافِرِينَ) (٣٢) بلى (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) هو النبي صلىاللهعليهوسلم (وَصَدَّقَ بِهِ) هم المؤمنون ، فالذي بمعنى الذين (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (٣٣) الشرك (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) (٣٤) لأنفسهم بإيمانهم
____________________________________
شذوذا بكسر السين وسكون اللام. قوله : (هَلْ يَسْتَوِيانِ) الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (تمييز) أي محول عن الفاعل ، والمعنى لا يستوي مثلهما وصفتهما. قوله : (أي لا يستوي العبد لجماعة) هذا هو المثل المحسوس للمشرك الذي يعبد غير الله ، فقوله : (لجماعة) أي سيئة اخلاقهم ، وقوله : (والعبد لواحد) هذا هو المثل المحسوس للموحد الذي يعبد الله وحده ، وقوله : (فإن الأول) إلخ ، تقرير للمثل الأول ، ولم يتعرض للثاني لوضوحه.
قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي على عدم استواء هذين الرجلين. قوله : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي مع بيان ظهوره ، وهو اضراب انتقالي من بيان عد الاستواء على الوجه المذكور ، إلى بيان أن أكثر الناس لا يعلمون ذلك. قوله : (إِنَّكَ مَيِّتٌ) العامة على التشديد وهو من سيموت ، وأما الميت بالتخفيف فهو من فارقته الروح بالفعل. قوله : (فلا شماتة بالموت) الشماتة الفرح ببلية العدو. قوله : (نزلت لما استبطؤوا موته) إلخ ، أي وذلك أنهم كانوا ينتظرون موته ، فأخبر الله تعالى بأن الموت يعمهم ، فلا معنى لشماتة الفاني بالفاني. قوله : (أيها الناس) أي مؤمنكم وكافركم ، وقوله : (تَخْتَصِمُونَ) أي يخاصم بعضكم بعضا ، فيقتص للمظلوم من الظالم ، لما روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أتدرون من المفلس؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم ولا متاع له ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ؛ وضرب هذا ، فيعطي هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه ، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار». قوله : (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله : (مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) أي ومن جملة الكذب على الله ، الكذب على رسوله ، بأن يقول مثلا : قال رسول الله كذا ، أو هذا شرعه ، والحال أنه لم يكن قاله ، ولم يكن شرعه.
قوله : (إِذْ جاءَهُ) ظرف لكذب بالصدق ، والمعنى كذب بالصدق وقت مجيئه. قوله : (بلى) أشار بذلك إلى أن الاستفهام تقريري ، والمعنى (فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) لأن (بلى) يجاب بها النفي ويصيره إثباتا كما تقدم. قوله : (فالذي بمعنى الذين) أي بالنسبة للصلة الثانية ، ولذا روعي معناه ، فجمع في قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) وروعي لفظه في قوله : (جاءَ) و (صَدَّقَ) قوله : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) أي كل ما