.................................................................................................
______________________________________________________
وأما
الثاني : فلأن تقابل
الجمع بالجمع ظاهر في التوزيع ، أي : تقسيم الأفراد على الأفراد ، فمثلا : إذا جاء
أمر لألف رجل مسلم بقتل ألف رجل كافر : كان معناه أن كل رجل مسلم يقتل كافرا ،
فيكون معنى قوله تعالى : (لِيُنْذِرُوا
قَوْمَهُمْ) أي : لينذر كل واحد من النافرين قومه ، كما هو مقتضى
العادة ؛ لأن النافرين للتفقه بعد تعلّم الأحكام لا يجتمعون عادة في محل واحد
ليرشدوا الناس مجتمعين ؛ بل يذهب كل واحد منهم إلى ما يخصه من البلد والوطن ، ثم
يرشد من حوله من الناس.
وأما الأمر الثالث
: فلأن ظاهر الحذر : هو أخذ المأمن من الهلكة والعقوبة ، وهو العمل لا مجرد الخوف
النفساني ، فيكون المراد من الحذر : هو العمل ، وإنما الكلام في الأمر الرابع ،
وهو إثبات وجوب الحذر ، وقد أشار إليه بقوله : أحدها ، ثانيها ، ثالثها.
وحاصل
الكلام في المقام : أن إثبات وجوب الحذر يمكن بأحد وجوه :
الوجه
الأول : من جهة كلمة «لعل».
الوجه
الثاني : من جهة لزوم
لغوية وجوب الإنذار لو لا وجوب الحذر.
الوجه
الثالث : من جهة جعل
الحذر غاية للواجب.
وأما
توضيح الوجه الأول : فيتوقف على مقدمة وهي : إن كلمة «لعل» فيها قولان :
الأول : ـ وهو
المشهور ـ أنها حقيقة في إنشاء الترجي الحقيقي ، الذي معناه : إظهار الرغبة في
الشيء مع الجهل بمستقبله ، وعدم القدرة عليه فعلا ، وهذا المعنى مستحيل في حقه
تعالى.
الثاني : ـ وهو
مختار المصنف ـ أنها حقيقة في الترجي الإيقاعي الإنشائي ، غاية الأمر : الاختلاف
في مرحلة الداعي بمعنى : أن الداعي قد يكون هو الترجي الحقيقي ، وقد يكون هو محبوبية
العمل.
وأما إذا وقعت
كلمة «لعل» في كلامه تعالى : فيستحيل أن يكون الداعي هو الترجي الحقيقي ، فلا بد
من أن يكون الداعي هو المحبوبية.
إذا عرفت هذه
المقدمة فاعلم : أن كلمة «لعل» الواردة في آخر الآية في قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) لا يمكن أن يراد بها الترجي الحقيقي على كلا القولين ؛ لما
عرفت من : استحالته على الله تعالى ، فيراد بها الدلالة على محبوبية العمل ، فكلمة
«لعل» حينئذ : تكون مستعملة بداعي محبوبية التحذر.
وإذا ثبتت محبوبية
التحذر : ثبت وجوبه شرعا وعقلا.