ربما يوجب موافقته استحقاق المثوبة ؛ وذلك لأن الحكم ما لم يبلغ تلك المرتبة لم يكن حقيقة بأمر ولا نهي ، ولا مخالفته عن عمد بعصيان ؛ بل كان (١) مما سكت الله عنه ، كما في الخبر ، فلاحظ وتدبر.
نعم ؛ في كونه (٢) بهذه المرتبة موردا للوظائف المقررة شرعا للجاهل إشكال لزوم
______________________________________________________
وعلى هذا : فالقطع لا يكون موضوعا للأثرين المذكورين ـ وهما ـ وجوب العمل على طبقه وكونه منجّزا للتكليف إلا إذا تعلق بمرتبة الفعلية.
وكيف كان ؛ فقد ظهر من جميع ما ذكر وجه تقييد المصنف الحكم بالفعلي في قوله : «إذا التفت إلى حكم فعلي واقعي أو ظاهري ...».
فالمتحصل : أن الحكم ما لم يبلغ مرتبة الفعلية لم يكن حقيقة بأمر ولا نهي ؛ إذا الحكم إنما يسمى أمرا أو نهيا حتى يدخل تحت قوله تعالى : ـ (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ـ إذا وصل مرتبة الفعلية. وأما إذا لم يبلغ مرتبة الفعلية : فلم يكن في موافقته ثواب ولا في مخالفته عقاب.
مثلا : لو علم بعض المسلمين في أول ظهور الإسلام بالمفسدة في الخمر وإنشاء المولى الحرمة ؛ ولكن لم يكن هناك زجر فعلي كان شربها غير موجب للعقاب.
قوله : «وإن كان ربما يوجب موافقته» أي : موافقة ما لم يصر فعليا وهو الإنشائي المحض «استحقاق المثوبة» إذا أتى به بعنوان كونه محبوبا للمولى ؛ لانطباق عنوان الانقياد عليه. فالمثوبة حينئذ مرتبة على مجرد الانقياد للمولى لا على نفس الفعل حتى يكون من الإطاعة الحقيقية ، فاستحقاق المثوبة يفترق عن استحقاق العقوبة.
وحاصل الفرق : أن موافقة الحكم غير الفعلي توجب استحقاق المثوبة ؛ ولكن مخالفته لا توجب استحقاق العقوبة. قوله : «لأن الحكم» تعليل لاختصاص حجية القطع بما إذا تعلق بالحكم الفعلي.
(١) أي : بل كان الحكم غير الفعلي مما سكت الله عنه ، كما في الخبر المروي عن أمير المؤمنين «عليه الصلاة والسلام» : «إن الله تعالى حدد حدودا فلا تعتدوها ، وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم» ، فلاحظ وتدبر حتى تستفيد منه عدم العقوبة على مخالفة الحكم المسكوت عنه وإن كان العمل به ليس محرما بقرينة قوله : «عليهالسلام» : «فلا تتكلفوها». وقوله «رحمة من الله لكم» كما في «الوصول إلى كفاية الأصول ، ج ٣ ، ص ٢٨٨».
(٢) أي : في الحكم والتكليف «بهذه المرتبة» أعني : الفعلية «موردا للوظائف المقررة