وردع أبي حنيفة وقتادة عن الفتوى به : إنما هو لأجل الاستقلال في الفتوى بالرجوع إليه (١) من دون مراجعة أهله ، لا عن (٢) الاستدلال بظاهره مطلقا ، ولو مع الرجوع إلى رواياتهم والفحص عما ينافيه ، والفتوى به مع اليأس عن الظفر به.
كيف (٣)؟ وقد وقع في غير واحد من الروايات الإرجاع إلى الكتاب والاستدلال بغير واحد من آياته.
______________________________________________________
وحاصل الكلام في الوجه الثاني : أن ردع الإمام «عليهالسلام» لأبي حنيفة وقتادة عن الفتوى به إنما لأجل استقلالهما بالفتوى ، من دون مراجعة الروايات الواردة عن أهل البيت في تفسيره ؛ لا عن الاستدلال بظاهره بعد المراجعة إليها وعدم الظفر فيها بما ينافيه. وعليه : فردعهما عنه مما لا يدل على عدم جواز الاستدلال بظاهره ؛ ولو بعد المراجعة على رواياتهم والفحص عما ينافيه بحد اليأس.
فيراد من الردع عن العمل بالظواهر : العمل بها استقلالا ؛ لا مطلقا حتى بعد الفحص عما ورد منهم «عليهمالسلام» من المخصص والمقيد وغيرهما ، ويشهد له سؤال الإمام «عليهالسلام» لأبي حنيفة : «أتعرف الناسخ من المنسوخ؟» ؛ إذ السؤال يدل على كون المانع عن التمسك بظواهر القرآن والاستدلال بها هو : عدم معرفة الناسخ والمنسوخ وغيرهما ، فإذا عرف ذلك بعد الفحص فقد ارتفع المانع ، فجاز التمسك بها.
فالمتحصل : أن ردع أبي حنيفة لا يمنع عن العمل بالظواهر مطلقا كما هو مقصود المستدل ؛ بل يمنع عن العمل بها استقلالا وبدون الرجوع إلى ما ورد عنهم عليهم من المخصص والمقيد وغيرهما.
(١) أي : إلى ظاهر الكتاب.
(٢) والمقصود من هذا الكلام : أن ردع الإمام «عليهالسلام» لأبي حنيفة وقتادة ليس ردعا عن الفتوى مطلقا ؛ ولو كان بالرجوع إليهم «عليهمالسلام» ؛ بل ردعهم «عليهمالسلام» إنما هو عن الإفتاء المستند إلى ظاهر الكتاب ، من دون رجوع أبي حنيفة وأمثاله إلى الأئمة «عليهمالسلام».
(٣) أي : كيف يكون الردع عن الاستدلال بظاهر الكتاب مع الرجوع إلى رواياتهم؟ مع أنه قد وقع ... الخ. هذا هو الوجه الثالث ، عن الدعوى الأولى وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٢٩٨» ـ أنه لا بد من إخراج الظواهر عما دل على اختصاص فهم كل آية من الآيات بهم «عليهمالسلام» ؛ إذ مقتضى التوفيق بينه وبين الأخبار الكثيرة الآمرة بالرجوع إلى الكتاب العزيز في موارد متفرقة ؛ كالأخبار الدالة على عرض الروايات