المنافاة بين الاحكام الظاهريّة والواقعيّة يظهر لك انّه لا تعارض بين الادلّة الاجتهاديّة الكاشفة عن الاحكام الواقعيّة والاصول العمليّة المقتضية لخلاف مؤدّاها وكلّ دليلين غير متعارضين ان لم يكن الحكم المدلول عليه باحدهما مرتّبا على الجهل بالحكم المدلول عليه بالآخر فالمكلّف مكلّف فى جميع الحالات بالعمل بمؤدّى كليهما وان كان الجهل باحد الحكمين مأخوذا فى موضوع الآخر فالمكلّف غير مكلّف فى شيء من الحالات الّا بالعمل بمقتضى احدهما الّذى علم به فانّه ح أن كان جاهلا بكليهما معا فهو غير مكلّف بشيء منهما وله حكم آخر وان كان عالما باحدهما فان كان ذلك هو الحكم الّذى اخذ الجهل به موضوعا للحكم الآخر فلا يبقى مورد للآخر اصلا لارتفاع موضوعه بالعلم وفى حكمه ما اذا دلّ دليل غير علمىّ معتبر على ثبوت ذلك الحكم فانّه وان كان لا يرفع موضوع الحكم الآخر الّا انّه رافع له من باب حكومة دليل اعتباره على الدّليل المثبت لذلك الحكم الآخر وان كان هو الحكم الّذى اخذ فى موضوعه الجهل فهو معذور فى الحكم الآخر وغير مكلّف به أصلا ومن هنا ظهر أنّ وجه ورود الادلّة على الأصول ان كانت علميّة وحكومتها عليها ان كانت ظنّية هو اخذ الجهل بالاحكام الواقعيّة الّتى هى مؤدّيات الادلّة فى موضوع الاصول ويكون ورودها او حكومتها عليها مترتّبا على ذلك السّادس لمّا كان المأخوذ فى موضوع الاصول العمليّة هو الجهل بحكم الواقعة فى الواقع امّا من جهة الشّبهة فى نفس الحكم الكلّى الواقعىّ وامّا من جهة الشّبهة فى الموضوع الخارجىّ فلازم ذلك انّه اذا قام طريق قطعىّ على نفس الحكم او على تعيين الموضوع يكون ذلك الطّريق واردا على الاصول الجارية فى المورد لو لاه لكونه بمجرّده رافعا لموضوعها حقيقة ولا يعقل التّعارض بينه وبينها بوجه وامّا اذا قام طريق ظنّى من دليل ظنّى او امارة كذلك امّا من جهة ظنّية دلالتهما او من جهة ظنّية السّند فى الأوّل او الصّدق فى الثّانى اعنى الأمارة ففى وروده او حكومته عليها او تعارضهما وجوه ولا بدّ لنا فى توضيح المقام من بيان ميزان الورود والحكومة اوّلا ثمّ بيان الوجوه المتصوّرة فى كيفيّة اعتبار ذلك الطريق الظنّى والوجوه المتصوّرة فى كيفيّة اعتبار الأصول الشرعيّة العمليّة فاعلم أنّ ميزان الورود ان يكون الطّريق الوارد بحيث يرفع موضوع المورود عليه ويخرج مورده حقيقة عن كونه مصدقا الموضوع المورود عليه ويكون الوارد بنفسه رافعا للشّك حقيقة وميزان الحكومة ان يكون الحاكم بنفسه مفسّرا للمراد من المحكوم ومبيّنا لكميّة مدلوله من دون ان يكون رافعا لموضوعه بل هو مع وجود الحاكم صادق ايضا على المورد لكنّ الحاكم اوجب رفع الحكم المعلّق عليه عن المورد والمراد من كونه مفسّرا له ان يكون بحيث لا يفهم التّنافى بينه وبين المحكوم ويكون عند العرف كالقرائن المتّصلة من حيث كونه موجبا لظهور المحكوم فى اختصاص الحكم الّذى تضمّنه بغير مورد الحاكم مع صدق موضوع المحكوم على ذلك المورد وذلك بان يكون الدّليل الحاكم بمنزلة قول المتكلّم اعنى غير هذا المورد ومن هنا يظهر الفرق بينها وبين التخصيص بالمنفصل فانّه ليس