كل قوة وآلة بما يخصه من العمل ، وذلك نوعان : نوع غايته والمقصود منه العلم والإدراك لا غير ، وذلك منحصر في خمسة أصناف : هي الحواس الخمس ، السمع والبصر والشم والذوق واللمس. والنوع الثاني ما لا يكون غايته العلم والإدراك بل غايته منحصرة في أمرين : أحدهما جلب المنفعة أو اللذة ، وذلك يكون بالقوة الشهوية ، والأمر الثاني دفع المضرة والألم وذلك بالقوة الغضبية ، وآلات هاتين القوتين ومظاهرها خمسة أيضا إحداها اليد التي ينتهي إليها إعلاء كلمة الحق بضرب أعناق مخالفيه ، وثانيها الرجل التي بها يسارع إلى الائتمار بأمر (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) ، وثالثها الرأس الذي به يتقرب إلى الله تعالى بأمر (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) ، ورابعها البطن الذي به يقوم بقاء الشخص بالمبادرة إلى أمر (كلوا) ، وخامسها الفرج الذي تعلق به بقاء النوع بواسطة الانتداب بأمر (تناكحوا) وليس غير ما أحصيناه قوة وآلة في الظاهر يعمل ويتقرب بها إلى الله تعالى أصلا ، فهذه العشرة مع الثلاثة المذكورة آنفا صارت ثلاثة عشر ، وكل واحد منها ينقسم قسمين : أحدهما فعلي كما وصفنا ، والثاني تركي كالصوم وجميع مقتضيات الحياة ، فتصير ستا وعشرين ، وكل واحد منها إما أن يكون صدوره ابتغاء مرضاة الله تعالى وخالصا لوجهه غير مشوب بعلة نفسانية أصلا أو يكون مشوبا بعلة ، والعلة النفسية نوعان : رغبة ورهبة باقتضاء قوتي الشهوة والغضب وبحسبها ، فهذه الثلاثة تضرب في ست وعشرين تصير ثمانيا وسبعين ، فانحصرت شعب ظاهر الإيمان التي أفضلها قول لا إله إلا الله بسراية أصلها الذي هو القصد والنية المنتشئة من باطن الإيمان وأصله ومنبعثة في ثمان وسبعين شعبة ، ويحتمل أن يعد باطن الإيمان الوحداني من جملة شعبه الظاهرة ، تسمية للأصل والذات باسم الفرع والصفة ، فتصير الشعب تسعا وسبعين ويحمل البضع على أكثر ما يحتمله في العدد ، كما أن الراغب حمله على أقل العدد من وجه ، والله تعالى أعلم. وإذا علمت أن الإيمان نور وارد على القلب والنفس ، قابل لكل ما يرد من الحق من أنوار الأمر والنهي المقربة إلى الله تعالى ، المزيلة لظلمة الطبيعة العنصرية ، والمظهرة سبيل القرب إليه تعالى وتقدس ، علمت أن التقوى هي السلوك في ذلك السبيل ، والتقرب إليه عزوجل بإتيان الأوامر وأداء الواجبات والمندوبات التي هي مقتضاها ، وبالانتهاء عن النواهي وترك المحرمات والشبهات والانحرافات التي هي من
____________________________________
(حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) و (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) وما أشبه ذلك ، ومن الغيب أيضا