أموره التي كلفه الله أن يأتي بها على التمام وكثر ذلك في حالاته كلها فهو وفّي وقد وفّى ، قال تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) يقال وفى الشيء وفيا على فعول بضم فاء الفعل إذا تم وكثر (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) من كان حاله التقوى والاتقاء كيف يفرح ويلتذ ، من يتقي ، فإن تقواه وحذره وخوفه أن لا يوفي مقام التكليف حقه ، وعلمه بأنه مسؤول عنه لا يتركه يفرح ولا يسر ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أنا أتقاكم لله وأنا أعلمكم بما أتقي]. إشارة ـ (أُولِي الْقُرْبى) أقرب أهل الشخص إليه نفسه فهي أولى بما يتصدق به من غيرها ، ولكل متصدّق عليه صدقة تليق به من المخلوقين ، ثم جوارحه ، ثم الأقرب إليه بعد ذلك ، وهو الأهل ثم الولد ثم الخادم ثم الرحم ثم الجار ، كما يتصدق على تلميذه وطالب الفائدة منه ، وإذا تحقق العارف بربه حتى كان كله نورا ، وكان الحق سمعه وبصره وجميع قواه ، كان حقا كله ، فمن كان من أهل الله فهم أهل هذا العارف الذي ذكرناه ، فإنه حق كله ، فإذا تصدق على أهل الله فهو المتصدق على أهله ، إذا كان المتصدق بهذه المثابة ، ومن تصدق على نفسه بما فيه حياتها كانت له صدقة وصلة بالله ، الذي الرحمن من نعوته ، قال صلىاللهعليهوسلم : الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصله الله ـ والمال في الاعتبار العلم وزكاة العلم تعليمه.
____________________________________
ذلك ، وقوله : (لَفِي شِقاقٍ) يوم القيامة في عذاب يشق عليهم حمله (بَعِيدٍ) زواله عنهم ، وقد يكون عبارة عن منازعتهم فيه ومشاققتهم بعضهم مع بعض ، ويكون قوله : (بَعِيدٍ) يعني عن إصابتهم الحق في ذلك (١٧٨) (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) الآية ، يخاطب اليهود والنصارى لما كثرت قالتهم في تحويل القبلة ، وكل طائفة منهم تحب أن تستقبل قبلتها ، فأنزل تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ) ما أنتم عليه من تولية وجوهكم في صلاتكم (قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ) أي الإحسان المقرب إلى الله (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) أي بر من آمن بالله ، والوجه عندي في ذلك لما كانت الآية تقتضي المدح والثناء بقيام هذه الأوصاف التي عددها ذكر من قامت به تهمما به ، إذ كانت الصفة إذا تحقق بها الموصوف هي والموصوف كالشيء الواحد ، فأقام من الذي هو الموصوف مقام الإيمان الذي هو الصفة ، وهو مبالغة في الثناء ، فالمعنى : ولكن البر الإيمان بالله أي وجود الله وتوحيده ، وفي هذا رد على المعطل والمشرك (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) خلافا لمنكري البعث الجسماني (وَالْمَلائِكَةِ) خلافا لمن يجعلها قوى (وَالْكِتابِ) يريد الكتب المنزلة من عند الله ، والألف واللام للجنس ، خلافا لمنكريها أنها من عند الله من أهل النظر (وَالنَّبِيِّينَ) خلافا للبراهمة