(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٧٣)
ما به حياتك ذلك رزقك ولا بد ، ولا يصح فيه تحجير ، سواء كان في ملك الغير أو لم يكن ، فإن المضطر لا حجر عليه ، وما عدا المضطر فما تناول الرزق لبقاء الحياة عليه وإنما تناوله للنعيم به ، وليس الرزق إلا ما تبقى به حياته عليه ، قال تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) بعد التحجير وقال (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) وذلك هو الرزق.
____________________________________
لا يَعْقِلُونَ) وقال فيمن تقدم : (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) فأولئك عرفوا الحق وما رجعوا ، وهؤلاء سمعوا وما فهموا ، لأنه جاءهم بما يخالف ما كان عليه آباؤهم ، فلم يعلموا ذلك ولا استعملوا عقولهم في النظر فيه (١٧٣) قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) الآية ، خطاب للمؤمنين بالأكل (مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) فإن كانت من للتبيين فهم منه أن مسمى الرزق يكون حراما وحلالا ، فأمرنا أن نأكل من حلاله ، ونعمل في الحرام ما أمرنا بالعمل فيه في مواضع كثيرة ، فما أمرنا قط في مثل هذا ولا نهينا إلا عن الأكل ، ومن جعل من للتبعيض حمل الرزق على الحلال ، ولكن التبعيض يضعف فإنه معلوم ضرورة ، فإنه لا يخلو الطيب من الرزق الذي يملكه إما أن يكون أكثر من حاجته في الوقت ، والتبعيض لا بد منه ، وإما أن يكون مقدار الحاجة أو دون الحاجة ، فيبطل معنى التبعيض ، فالتبيين أولى منه ، ثم قال : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) تقدم القول عليه في قوله : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) ثم قال : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فامتثلوا أمره فيما أمركم به من أكل الطيب الذي هو الحلال المستلذ ومن الشكر عليه ، قوله : (١٧٤) (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لما كان من قولهم على الله ما لا يعلمون تحريم أمور لم يحرمها الله واتخذوها شرعا ما أنزل الله به من سلطان ، عرّفنا الله سبحانه في هذه الآية بما حرّمه على كافة عباده ، إذ كانت رسالته صلىاللهعليهوسلم عامة لجميع الناس ، فقال تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ) فالألف واللام للتعريف ، أي الذي يسميها العرب ميتة في عرفها ، والحيوان قسمان : بري وبحري ، واتفق العلماء على تحريم ميتة البر ، واختلفوا في ميتة البحر على ثلاثة مذاهب ، فطائفة