قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) ، أي كيلا تزولا ، (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) ، أي ما يمسكهما أحد من بعده ، أي أحد سواه ، (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) ، فإن قيل : فما معنى ذكر الحلم هاهنا؟ قيل : لأن السموات والأرض همت بما همت به من عقوبة الكفار فأمسكهما الله تعالى عن الزوال لحلمه وغفرانه أن يعاجلهم بالعقوبة.
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) ، يعني كفار مكة لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا : لعن الله اليهود والنصارى أتتهم رسلهم (١) فكذبوهم ، وأقسموا بالله وقالوا لو أتى رسول الله لنكوننّ أهدى دينا منهم ، وذلك قبل مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما بعث محمد كذبوه ، فأنزل الله عزوجل : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) ، رسول ، (لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) ، يعني من اليهود والنصارى ، (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) ، محمد صلىاللهعليهوسلم ، (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) ، أي ما زادهم مجيئه إلا تباعدا عن الهدى.
(اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) ، نصب (اسْتِكْباراً) على البدل من النفور ، (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) ، يعني العمل القبيح ، أضيف المكر إلى صفته.
قال الكلبي : هو اجتماعهم على الشرك وقتل النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ حمزة «مكر السيّئ» بسكون (٢) الهمزة تخفيفا وهي قراءة الأعمش ، (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ) ، أي لا يحل ولا يحيط المكر السيّئ ، (إِلَّا بِأَهْلِهِ) ، فقتلوا يوم بدر ، وقال ابن عباس : عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك. والمعنى : إن وبال مكرهم راجع عليهم ، (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) ، ينتظرون ، (إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) ، إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مضى من الكفار ، (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً).
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥))
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ) ، يعني ليفوت عنه ، (مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً).
(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) ، من الجرائم ، (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) ، يعني على ظهر الأرض ، كناية عن غير مذكور ، (مِنْ دَابَّةٍ) ، كما كان في زمان نوح أهلك الله ما على ظهر الأرض إلا من كان في سفينة نوح ، (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً). [قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد أهل طاعته وأهل معصيته](٣).
بعونه تعالى تم الجزء الثالث ، ويليه الجزء الرابع ، وأوله سورة يس
__________________
(١) في المطبوع «الرسل».
(٢) في المطبوع «ساكنة».
(٣) زيد في المطبوع و ـ ط.