وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد ، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم ، فلما انتهى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما اختلف من أمرهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا.
[١٦٨٨] فروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي وروى غيره عن إبراهيم التيمي عن أبيه قالا : قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان : يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصحبتموه ، قال : نعم يا ابن أخي ، قال : كيف كنتم تصنعون؟ قال : والله لقد كنا نجهد ، فقال الفتى : والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه وفعلنا وفعلنا ، فقال حذيفة : يا ابن أخي والله لقد رأيتني ليلة الأحزاب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : من يقوم فيذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم أدخله الله الجنة ، فما قام منّا رجل ، ثم صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم هونا من الليل ، ثم التفت إلينا فقال مثله فسكت القوم ، وما قام منّا رجل ثم صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم هونا من الليل ، ثم التفت إلينا فقال : هل من رجل يقوم فينظر ما فعل القوم على أن يكون رفيقي في الجنة ، فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد ، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا حذيفة فلم يكن لي بد من المقام إليه حين دعاني ، فقلت : لبيك (١) يا رسول الله وقمت حتى أتيته ، وإن جنبيّ ليضطربان فمسح رأسي ووجهي ، ثم قال : ائت هؤلاء القوم حتى تأتيني بخبرهم ولا تحدثن شيئا حتى ترجع إليّ ، ثم قال : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته ، فأخذت سهمي وشددت عليّ سلاحي ثم انطلقت أمشي نحوهم كأنما أمشي في حمام ، فذهبت فدخلت في القوم ، وقد أرسل الله عليهم ريحا وجنودا [وجنود](٢) الله تفعل بهم ما تفعل ، لا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء [قال](٣) وأبو سفيان قاعد يصطلي فأخذت سهما فوضعته في كبد قوسي فأردت أن أرميه ولو رميته لأصبته ، فذكرت قول النبي صلىاللهعليهوسلم لا تحدثنّ حدثا حتى ترجع إليّ فرددت سهمي في كنانتي ، فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم لا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء قام فقال : يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلينظر من هو [قال](٤) ، فأخذت بيد جليسي فقلت من أنت ، فقال : سبحان الله أما تعرفني أنا فلان ابن فلان ، فإذا هو رجل من هوازن ، فقال أبو سفيان : يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ولقد هلكنا وهلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا منهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل ، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ، ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلّا وهم قائم ، وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا (٥)
__________________
[١٦٨٨] ـ الإسناد الأول فيه يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف ، والثاني من مرسل يزيد بن شريك التيمي.
وصدره أخرجه مسلم ١٧٨٨ والبيهقي في «الدلائل» ٣ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠ من طريق جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي به. وليس فيه : «ثم صلّى هونا من الليل ....».
ـ وأخرجه الحاكم ٣ / ٣١ والبيهقي ٣ / ٤٥٠ ـ ٤٥١ من طريق بلال العبسي عن حذيفة بن اليمان بنحوه. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.
(١) في المطبوع «إليك».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «فاستمروا».