أنتن ، (مِنْ حَمَإٍ) ، والحمأ : الطين (١) الأسود ، (مَسْنُونٍ) أي : متغير. قال مجاهد وقتادة : هو المنتن المتغير. وقال أبو عبيدة : هو المصبوب. تقول العرب : سننت الماء إذا (٢) صببته.
قال ابن عباس : هو التراب المبتل المنتن جعل صلصالا كالفخار.
وفي بعض الآثار : إن الله عزوجل خمر طينة آدم وتركه حتى صار متغيرا أسود ، ثم خلق منه آدم عليهالسلام.
(وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) ، قال ابن عباس : هو أبو الجن كما أن آدم أبو البشر. وقال قتادة : هو إبليس خلق قبل آدم.
ويقال : الجان أبو الجن وإبليس أبو الشياطين ، وفي الجن مسلمون وكافرون ، ويحيون ويموتون ، وأما الشياطين فليس منهم مسلمون ويموتون إذا مات إبليس.
وذكر (٣) وهب : إن من الجن من يولد لهم (٤) ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين ، ومن الجن من هم بمنزلة الريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يتوالدون. (مِنْ نارِ السَّمُومِ) ، والسموم ريح حارة تدخل مسام الإنسان فتقتله. يقال : السموم بالنهار والحرور بالليل. وعن الكلبي عن أبي صالح : السموم نار لا دخان لها ، والصواعق تكون منها وهي نار بين السماء وبين الحجاب ، فإذا أراد الله أن يحدث أمرا خرقت الحجاب فهوت (٥) إلى ما أمرت به فالهدة التي تسمعون في خرق ذلك الحجاب. [وقيل : نار السموم لهب النار](٦). وقيل : من نار السموم أي : من نار جهنم.
وعن الضحاك عن ابن عباس قال : كان إبليس من حي من الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السّموم وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار ، فأما الملائكة فإنهم خلقوا من النور.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً) ، أي : سأخلق بشرا ، (مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ).
(فَإِذا سَوَّيْتُهُ) ، عدلت صورته ، وأتممت خلقه ، (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ، فصار بشرا حيا والروح جسم لطيف يحيا به الإنسان ، أضاف [الروح](٧) إلى نفسه تشريفا ، (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) ، سجود تحية لا سجود عبادة.
(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ) ، الذين أمروا بالسجود ، (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) ، فإن قيل : لم قال (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) وقد حصل المقصود بقوله فسجد الملائكة؟ قلنا : زعم الخليل وسيبويه أنه ذكر ذلك تأكيدا ، وذكر المبرد أن قوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ) كان من المحتمل أنه سجد بعضهم فذكر كلهم ليزول هذا الإشكال ، ثم كان يحتمل أنهم سجدوا في أوقات مختلفة فزال ذلك الإشكال بقوله : (أَجْمَعُونَ).
وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه : إن الله عزوجل قال لجماعة من الملائكة : اسجدوا لآدم فلم يفعلوا فأرسل الله عليهم نارا فأحرقتهم (٨) ، ثم قال لجماعة أخرى : اسجدوا لآدم فسجدوا.
__________________
(١) زيد في المطبوع «المنتن».
(٢) في المطبوع و ـ ط «أي» والمثبت عن المخطوط والقرطبي ١٠ / ٢٢.
(٣) زيد في المخطوط «ابن».
(٤) تصحف في المطبوع «يولدهم».
(٥) في المطبوع «فهو».
(٦) زيد في المطبوع و ـ ط.
(٧) في المطبوع «وأضافه».
(٨) في المطبوع «فأحرقهم».