(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥))
(فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) ، برد موسى إليها ، (وَلا تَحْزَنَ) ، أي لئلا تحزن ، (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) ، برده إليها ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ، أن الله وعدها رده إليها.
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) ، قال الكلبي : الأشد ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين سنة. وقال مجاهد وغيره : ثلاث وثلاثون سنة ، (وَاسْتَوى) ، أي بلغ أربعين سنة ، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وقيل : استوى انتهى شبابه (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) ، أي الفقه والعقل والعلم في الدين ، فعلم موسى وحكم قبل أن يبعث نبيا ، (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
قوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ) ، يعني دخل موسى المدينة ، قال السدي : هي مدينة منف من أرض مصر.
وقال مقاتل : كانت قرية يقال لها خانين (١) على رأس فرسخين من مصر. وقيل : مدينة عين الشمس ، (عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) ، وهو وقت القائلة واشتغال الناس بالقيلولة.
وقال محمد بن كعب القرظي : دخلها فيما بين المغرب والعشاء.
واختلفوا في السبب الذي من أجله دخل المدينة في هذا الوقت.
قال السدي : وذلك أن موسى كان يسمى ابن فرعون ، فكان يركب مراكب فرعون ويلبس مثل ملابسه فركب فرعون يوما وليس عنده موسى ، فلما جاء موسى قيل له إن فرعون قد ركب فركب في أثره فأدركه المقبل بأرض منف فدخلها نصف النهار وليس في طرفها أحد ، فذلك قوله عزوجل : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) ، قال محمد بن إسحاق كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يستمعون منه ويقتدون به فلم عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه فخالفهم (٢) في دينهم حتى كثر (٣) ذلك منه وخافوه وخافهم ، فكان لا يدخل قرية إلا خائفا مستخفيا فدخلها يوما على حين غفلة من أهلها.
وقال ابن زيد : لما علا موسى فرعون بالعصا في صغره فأراد فرعون قتله فقالت امرأته هو صغير فترك قتله وأمر بإخراجه من مدينته [فلم يدخل عليهم إلا بعد أن](٤) كبر وبلغ أشده (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها) ، يعني عن ذكر موسى أي (٥) من بعد نسيانهم خبره وأمره لبعد عهدهم [به](٦) ، وروي عن علي في قوله : (حِينِ غَفْلَةٍ) كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم ، (فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) ، يختصمان ويتنازعان ، (هذا مِنْ شِيعَتِهِ) ، من بني إسرائيل (وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) ، من القبط ، قيل : الذي كان من شيعته السامري والذي من عدوه [من القبط ، قيل](٧) : طباخ فرعون اسمه فاتون. وقيل :
__________________
(١) في المطبوع «حابين».
(٢) تصحف في المطبوع «فحالفهم».
(٣) تصحف في المطبوع «ذكر».
(٤) ما بين الحاصرتين في المطبوع «فلما».
(٥) تصحف في المطبوع «أمر».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيد في المطبوع.