لعظمها كما أن سير السحاب لا يرى لعظمه وهو سائر ، (صُنْعَ اللهِ) ، نصب على المصدر ، (الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ، يعني أحكم ، (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة بالياء والباقون بالتاء.
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) ، بكلمة الإخلاص وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، قال أبو معشر : كان إبراهيم يحلف ولا يستثني أن الحسنة لا إله إلا الله. وقال قتادة بالإخلاص. وقيل : هي كل طاعة (١) (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) ، قال ابن عباس فمنها يصل الخير إليه يعني له من تلك الحسنة خير يوم القيامة ، وهو الثواب والأمن من العذاب ، أما أن يكون له شيء خير من الإيمان فلا لأنه ليس شيء خيرا من قوله لا إله إلا الله. وقيل : فله خير منها يعني رضوان الله ، قال تعالى : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢] ، وقال محمد بن كعب وعبد الرحمن بن زيد : فله خير منها يعني الأضعاف أعطاه الله تعالى بالواحدة عشرا فصاعدا ، وهذا حسن لأن للأضعاف خصائص منها أن العبد يسأل عن عمله ولا يسأل عن الأضعاف ، ومنها أن للشيطان سبيلا إلى عمله وليس له سبيل إلى الأضعاف ولا مطمع للخصوم في الأضعاف ولأن الحسنة على استحقاق العبد والتضعيف كما يليق بكرم الرب تبارك وتعالى ، (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) ، قرأ أهل الكوفة «من فزع» بالتنوين يومئذ بفتح الميم ، وقرأ الآخرون بالإضافة لأنه أعم فإنه يقتضي الأمن من جميع فزع ذلك اليوم ، وبالتنوين كأنه فزع دون فزع ، ويفتح أهل المدينة الميم من يومئذ.
(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) ، يعني الشرك ، (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ، يعني ألقوا على وجوههم ، يقال : كبّت الرجل إذا ألقيته على وجهه فانكب وأكب ، وتقول لهم خزنة جهنم : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، في الدنيا من الشرك.
(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٣))
قوله تعالى : (إِنَّما أُمِرْتُ) ، يقول الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم قل إنما أمرت ، (أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ) ، يعني مكة ، (الَّذِي حَرَّمَها) ، يعني جعلها الله حرما آمنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاها ، (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) ، خلقا وملكا ، (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، لله.
(وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) ، يعني وأمرت أن أتلو القرآن ، (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) ، أي نفع اهتدائه يرجع إليه ، (وَمَنْ ضَلَ) ، عن الإيمان وأخطأ طريق الهدى ، (فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) ، ومن المخوفين فليس عليّ إلّا البلاغ ، نسختها آية القتال.
(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، على نعمه ، (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) ، يعني يوم بدر من القتل والسبي وضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم ، نظيره قوله عزوجل : (سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) [الأنبياء : ٣٧] ، وقال مجاهد : سيريكم آياته في السماء والأرض وفي أنفسكم ، كما قال : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣] ، (فَتَعْرِفُونَها) ، يعني تعرفون الآيات والدلالات ، (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، وعيد لهم بالجزاء على أعمالهم.
__________________
(١) في المطبوع «الطاعة».