(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) ، أي سترا تستترون به ، يريد أن ظلمته تغشي كل شيء ، كاللباس الذي يشتمل على لابسه ، (وَالنَّوْمَ سُباتاً) ، راحة لأبدانكم وقطعا لعملكم ، وأصل السبت القطع ، والنائم مسبوت لأنه انقطع عمله وحركته. (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً) ، أي يقظة وزمانا تنتشرون فيه لابتغاء الرزق وتنشرون لأشغالكم.
(وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) ، يعني المطر (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) ، والطّهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره ، فهو اسم لما يتطهر به كالسحور اسم لما يتسحر به والفطور اسم لما يفطر به ، والدليل عليه ما :
[١٥٦٣] روينا أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال في البحر : «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».
وأراد به المطهر فالماء مطهر لأنه يطهر الإنسان من الحدث والنجاسة ، كما قال في آية أخرى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ) [الأنفال : ١١] فثبت به أن التطهير يختص بالماء ، وذهب أصحاب الرأي إلى أن الطهور هو الطاهر حتى جوزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة ، كالخل (١) وماء الورد والمرق ونحوها ، ولو جاز إزالة النجاسة بها لجاز إزالة الحدث بها.
وذهب بعضهم إلى أن الطهور ما يتكرر منه التطهير كالصبور اسم لمن يتكرر منه الصبر والشكور اسم لمن يتكرر منه الشكر ، وهو قول مالك حتى جوز (٢) الوضوء بالماء الذي توضأ به مرة.
وإن وقع في الماء شيء غير طعمه أو لونه أو ريحه هل تزول طهوريته أم لا نظر؟ إن كان الواقع شيئا لا يمكن صون الماء عنه كالطين والتراب وأوراق الأشجار لا يزول فيجوز الطهارة به كما لو تغير لطول المكث في قراره ، وكذلك لو وقع فيه ما لا يخالطه كالدهن يصب فيه فيتروح الماء برائحته يجوز الطهارة به ، لأن تغيره للمجاوزة لا للمخالطة.
وإن كان شيئا يمكن صون الماء منه ويخالطه كالخل والزعفران ونحوهما يزول طهوريته ولا يجوز الوضوء به.
وإن لم يتغير أحد أوصافه نظر (٣) إن كان الواقع فيه شيئا طاهرا لا يزول طهوريته فتجوز الطهارة به سواء كان الماء قليلا أو كثيرا ، وإن كان الواقع فيه شيئا نجسا نظر [فيه](٤) فإن كان الماء قليلا أقل من القلتين ينجس الماء.
وإن كان قدر قلتين فأكثر [ولا تغير به](٥) فهو طاهر يجوز الوضوء به ، والقلتان خمس قرب ووزنها (٦) خمسمائة رطل ، والدليل عليه ما :
__________________
[١٥٦٣] ـ تقدم في تفسير سورة المائدة عن آية : ٩٦ وهو قوي.
(١) في المطبوع «مثل الخل».
(٢) في المخطوط. «جوزوا».
(٣) في المطبوع «ينظر».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «ووزنه».