عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٤) أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥))
قوله عزوجل : (وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ) ، يعني : ما يتخذونك ، (إِلَّا هُزُواً) ، يعني مهزوءا به ، نزلت في أبي جهل كان إذا مرّ بأصحابه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال مستهزئا (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً).
(إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا) ، يعني قد قارب أن يضلنا ، (عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) ، يعني لو لم نصبر عليها لصرفنا عنها ، (وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) ، من أخطأ طريقا.
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) ، وذلك أن الرجل من المشركين كان يعبد الحجر فإذا رأى حجرا أحسن منه طرح الأول وأخذ الآخر ، فعبدوه.
وقال ابن عباس : أرأيت من ترك عبادة الله وخالقه ثم هوى حجرا فعبدوه ما حاله عندي ، (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) ، يعني حافظا يقول أفأنت عليه كفيل تمنعه (١) من اتباع هواه وعبادة ما يهوى من دون الله ، أي لست كذلك. قال الكلبي : نسختها آية القتال.
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ) ما تقول سماع طالب (٢) الإفهام ، (أَوْ يَعْقِلُونَ) ، ما يعاينون من الحجج والإعلام ، (إِنْ هُمْ) ، ما هم (إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) ، لأن البهائم تهتدي لمراعيها ومشاربها وتنقاد لأربابها الذين يتعهدونها ، وهؤلاء الكفار لا يعرفون طريق الحق ولا يطيعون ربّهم الذي خلقهم ، ورزقهم ، ولأن الأنعام تسجد وتسبح لله وهؤلاء الكفار لا يفعلون [شيئا من ذلك بل يؤثرون السجود إلى ما ينحتونه من الأحجار على السجود لله الواحد القهار](٣).
قوله عزوجل : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) ، معناه ألم تر إلى مدّ ربّك الظلّ وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، جعله ممدودا لأنّه ظل لا شمس معه ، كما قال : «في ظل الجنة» ، (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) (٣٠) [الواقعة : ٣٠] لم يكن معه شمس. (وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً) ، أي : دائما ثابتا لا يزول ولا تذهبه الشمس. قال أبو عبيدة : الظل ما نسخته الشمس. وهو بالغداة ، والفيء ما نسخ الشمس ، وهو بعد الزوال ، سمي فيئا لأنه فاء من جانب المشرق إلى جانب المغرب ، (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً) ، يعني على الظل ومعنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس لما عرف الظل ولو لا النور لما عرفت الظلمة ، والأشياء تعرف بأضدادها.
(ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً (٤٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨))
(ثُمَّ قَبَضْناهُ) ، يعني الظل ، (إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً) ، بالشمس التي تأتي عليه ، والقبض جمع المنبسط من الشيء معناه أن الظل يعم جميع الأرض قبل طلوع الشمس ، فإذا طلعت الشمس قبض الله الظلّ جزءا فجزءا قبضا يسيرا أي خفيا.
__________________
(١) في المطبوع «تحفظه».
(٢) في المخطوط «طلب».
(٣) زيادة عن المخطوط.