تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١))
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) الآية ، اختلف العلماء في هذه الآية ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما لما أنزل الله عزوجل قوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [البقرة : ١٨٨] تحرّج المسلمون على مؤاكلة المرضى والزّمنى والعمي [والعرج](١) ، وقالوا الطعام أفضل الأموال ، وقد نهانا الله عن أكل المال بالباطل. والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب. والأعرج لا يتمكن من الجلوس ولا يستطيع المزاحمة على الطعام ، والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفي الطعام ، فأنزل الله هذه الآية ، وعلى هذا التأويل يكون «على» بمعنى في أي ليس في الأعمى يعني ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض [حرج](٢). وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء لأن الناس يتقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم ، ويقول الأعمى ربما أكل أكثر ، ويقول الأعرج ربما أخذ مكان الاثنين ، فنزلت هذه الآية. وقال مجاهد نزلت الآية ترخيصا (٣) لهؤلاء في الأكل من بيوت من سمى الله في هذه الآية ، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب الطعام فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو بعض من سمى الله في هذه الآية ، كان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك الطعام ويقولون اذهب بنا إلى بيت غيره؟ فأنزل الله هذه الآية.
وقال سعيد بن المسيب : كان المسلمون إذا غزوا خلفوا زمانهم ويدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا ، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وهم غيب ، فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم.
قال الحسن : نزلت هذه الآية رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد. قال تم الكلام عند قوله : (وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) ، وقوله تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) كلام منقطع عمّا قبله. وقيل : لما نزل قوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) ، قالوا لا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فأنزل الله عزوجل : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) ، أي لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم. قيل : أراد من أموال عيالكم وأزواجكم ، وبيت المرأة كبيت الزوج. وقال ابن قتيبة : أراد من بيوت أولادكم نسب [بيوت](٤) الأولاد إلى الآباء.
[١٥٤٨] كما جاء في الحديث : «أنت ومالك لأبيك» ، (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
__________________
[١٥٤٨] ـ صحيح. أخرجه أبو داود ، ٣٥٣٠ وابن ماجه ٢٢٩٢ وأحمد ٢ / ١٧٩ وابن الجارود ٩٩٥ والطحاوي في «المعاني» ٤ / ١٥٨ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وإسناده حسن.
وللحديث شواهد منها :
ـ حديث جابر أخرجه ابن ماجه ٢٢٩١ والطحاوي في «المشكل» ١٥٩٨ وفي «المعاني» ٤ / ١٥٨ وقال البوصيري في
(١) سقط من المطبوع.
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) في المطبوع «ترخصا».
(٤) زيادة من المخطوط و «الوسيط» ٣ / ٣٢٩.