(وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) (٤٩) ، مطيعين منقادين لحكمه ، يعني إذا كان الحق لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لتيقنهم (١) بأنه كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضا بالحق.
(أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا) ، يعني شكوا ، هذا استفهام ذم وتوبيخ ، يعني هم كذلك ، (أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ) ، يعني [أي يظلمهم](٢) ، (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) لأنفسهم بإعراضهم عن الحق.
(إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) ، إلى كتاب الله ورسوله ، (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) ، هذا ليس على طريق الخبر ولكنه تعليم أدب الشرع على معنى أن المؤمنين كذا ينبغي أن يكونوا ، ونصب القول على الخبر واسمه في قوله تعالى : (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) ، يعني سمعنا الدعاء وأطعنا بالإجابة. (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : فيما ساءه وسره ويخشى الله على ما عمل من الذنوب. (وَيَتَّقْهِ) ، فيما بعده ، (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) ، الناجون قرأ أبو عمرو وأبو بكر «يتقه» ساكنة الهاء ، ويختلسها أبو جعفر وقالون ويعقوب ، كما في نظائرها ويشبعها الباقون كسرا ، وقرأ حفص «يتقه» بسكون القاف واختلاس الهاء ، وهذه اللغة (٣) إذا سقطت الياء للجزم يسكنون ما قبلها يقولون لم أشتر طعاما بسكون الراء.
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٥٤) وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٥٥))
قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) وجهد اليمين أن يحلف بالله ولا حلف فوق الحلف بالله ، (لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَ) ، وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : أينما كنت نكن معك ، لئن خرجت خرجنا وإن أقمت أقمنا وإن أمرتنا بالجهاد جاهدنا ، فقال تعالى : (قُلْ) ، لهم ، (لا تُقْسِمُوا) ، لا تحلفوا ، وقد تم الكلام ، ثم قال : (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) ، يعني هذه طاعة بالقول باللسان دون الاعتقاد ، وهي معروفة يعني أمر عرف منكم أنكم تكذبون وتقولون ما لا تفعلون ، هذا معنى قول مجاهد رضي الله عنه. وقيل : معناه طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل. وقال مقاتل بن سليمان لكن منكم طاعة معروفة. (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).
(قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) ، يعني تولوا عن طاعة الله ورسوله ، (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) ، يعني على الرسول ما كلّف وأمر به من تبليغ الرسالة ، (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) ، من الإجابة والطاعة ،(وَإِنْ
__________________
(١) في المطبوع «لثقتهم».
(٢) في المطبوع «يعني بظلم».
(٣) في المخطوط «لغة».