وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «احتجابا منه» ، فقلت : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه»؟
قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) ، يعني لا يظهرن زينتهن لغير محرم ، وأراد بها (١) الزينة الخفية وهما زينتان خفية وظاهرة ، فالخفية مثل الخلخال والخضاب في الرجل والسوار في المعصم والقرط والقلائد ، فلا يجوز لها إظهارها ، ولا للأجنبي النظر إليها ، والمراد من الزينة موضع الزينة. قوله تعالى : (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) ، أراد به الزينة الظاهرة ، اختلف أهل العلم في هذه الزينة الظاهرة التي استثناها الله تعالى ، قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي : هو الوجه والكفان. وقال ابن مسعود : هي الثياب بدليل قوله تعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف : ٣١] ، وأراد بها الثياب [وقال الحسن : الوجه والثياب](٢). وقال ابن عباس : الكحل والخاتم والخضاب في الكف ، فما كان من الزينة الظاهرة جاز للرجل الأجنبي النظر إليه إذا لم يخف فتنة وشهوة ، فإن خاف شيئا منها غض البصر وإنما رخص في هذا القدر أن تبديه المرأة من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة ، وسائر بدنها عورة يلزمها ستره. قوله عزوجل : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَ) ، يعني : ليلقين بمقانعهن ، (عَلى جُيُوبِهِنَ) ، وصدورهنّ ليسترن بذلك شعورهنّ وصدورهنّ وأعناقهن وقراطهن. قالت عائشة : رحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله عزوجل : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) شققن مروطهنّ فاختمرن بها. (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) يعني : الزينة الخفيفة التي لم يبح لهن كشفها في الصلاة ولا للأجانب وهو ما عدا الوجه والكفين (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) ، قال ابن عباس ومقاتل : يعني لا يضعن الجلباب ولا الخمار إلا (٣) لأزواجهن ، (أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَ) ، فيجوز لهؤلاء أن ينظروا إلى الزينة الباطنة [من المرأة](٤) ولا ينظرون إلى ما بين السرة والركبة ، ويجوز للزوج أن ينظر إلى جميع بدنها غير أنه يكره له النظر إلى فرجها. قوله تعالى : (أَوْ نِسائِهِنَ) أراد أنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى بدن المرأة إلّا ما بين السرة والركبة كالرجل المحرم ، هذا إذا كانت المرأة مسلمة ، فإن كانت كافرة فهل يجوز للمسلمة أن تنكشف لها. اختلف أهل العلم فيه ، فقال بعضهم : يجوز كما يجوز أن تنكشف للمرأة المسلمة لأنها من جملة النساء ، وقال بعضهم : لا يجوز لأن الله تعالى قال : (أَوْ نِسائِهِنَ) والكافرة ليست من نسائنا ولأنها أجنبية في الدين ، كانت أبعد من الرجل الأجنبي ، وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن يمنع نساء أهل الكتاب أن يدخلن الحمام مع المسلمات. قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) ، اختلفوا فيها ، فقال قوم : عبد المرأة محرم لها ، فيجوز له الدخول عليها إذا كان عفيفا وأن ينظر إلى بدن مولاته إلا ما بين السرة والركبة ، كالمحارم وهو ظاهر القرآن. وروي ذلك عن عائشة وأم سلمة.
__________________
ـ وأبو داود : هو خاص.
وانظر «الكشاف» ٧٤٧ و «أحكام القرآن» ١٥٨٦ لابن العربي ، وكلاهما بتخريجي.
(١) في المخطوط «به».
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) زيد في المطبوع «لبعولتهن أي إلا».
(٤) زيادة عن المخطوط.