(سُورَةٌ) ، أي : هذه سورة ، (أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها) ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو (وَفَرَضْناها) بتشديد الراء ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، أي : أوجبنا (١) ما فيها من الأحكام وألزمناكم العمل بها. وقيل : معناه قدرنا ما فيها من الحدود والفرض (٢) التقدير : قال الله عزوجل : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) [البقرة : ٢٣٧] أي : قدرتم ، ودليل التخفيف قوله : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) [القصص : ٨٥] ، وأما التشديد فمعناه فصلناه وبيناه. وقيل : هو بمعنى الفرض الذي هو بمعنى الإيجاب أيضا والتشديد للتكثير لكثرة ما فيها من الفرائض ، أي : أوجبناها عليكم وعلى من بعدكم إلى قيام الساعة. (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) ، واضحات ، (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، تتعظون.
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣))
قوله عزوجل : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) ، أراد إذا كانا حرين عاقلين بالغين بكرين غير محصنين ، فاجلدوا فاضربوا كل واحد منهما مائة جلدة ، يقال جلده إذا ضرب جلده ، كما يقال رأسه وبطنه ، إذا ضرب رأسه وبطنه ، وذكر بلفظ الجلد لئلا يبرح ولا يضرب بحيث يبلغ اللحم ، وقد وردت السنة أنه يجلد مائة [جلدة](٣) ويغرب عاما وهو قول أكثر أهل العلم ، وإن كان الزاني محصنا فعليه الرجم ، ذكرناه في سورة النساء ، (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ) ، أي : رحمة ورقة ، قرأ ابن كثير «رأفة» بفتح الهمزة ولم يختلفوا في سورة الحديد أنها ساكنة لمجاورة قوله ورحمة ، والرأفة معنى يكون في القلب ، لا ينهى عنه لأنه لا يكون باختيار الإنسان. واختلفوا في معنى الآية ، فقال قوم : لا تأخذكم بهما رأفة فتعطلوا الحدود ولا تقيموها ، وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي. وقال جماعة : معناها ولا تأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب ولكن أوجعوهما ضربا وهو قول سعيد بن المسيب والحسن ، قال الزهري : يجتهد في حد الزنا والفرية ويخفف في حد الشرب. وقال قتادة : يجتهد في حد الزنا ويخفف في الشرب والفرية. (فِي دِينِ اللهِ) ، أي : في حكم الله [روي أن عبد الله بن عمر جلد جارية له زنت ، فقال للجلاد : اضرب ظهرها ورجليها ، فقال له ابنه لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ، فقال : يا بنيّ إن الله عزوجل لم يأمرني بقتلها وقد ضربت فأوجعت](٤). (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، معناه أن المؤمن لا تأخذه الرأفة إذا جاء أمر الله تعالى ، (وَلْيَشْهَدْ) ، وليحضر ، (عَذابَهُما) حدهما إذا أقيم عليهما (طائِفَةٌ) ، نفر ، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، قال مجاهد والنخعي : أقله رجل واحد فما فوقه ، وقال عكرمة وعطاء : رجلان فصاعدا. وقال الزهري وقتادة : ثلاثة فصاعدا. وقال مالك وابن زيد : أربعة بعدد شهود الزنا.
قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٣) ،
__________________
(١) في المخطوط «وأوصينا».
(٢) في المخطوط «والفرائض».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) ما بين المعقوفتين وقع في المطبوع قبل «واختلفوا في معنى الآية».