(يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).
(فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) ، قرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي «سخريا» بضم السين هاهنا وفي سورة ص [٦٣] ، وقرأ الباقون بكسرهما (١) واتفقوا على الضم في سورة الزخرف [٣٢]. قال الخليل : هما لغتان مثل قولهم : بحر لجي ولجي بضم اللام وكسرها ، مثل كوكب دري ودري ، قال الفراء والكسائي : الكسر بمعنى الاستهزاء بالقول (٢) ، والضم بمعنى التسخير والاستعباد بالفعل واتفقوا في سورة الزخرف بأنه (٣) بمعنى التسخير ، (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ) أي : أنساكم اشتغالكم بالاستهزاء بهم وتسخيرهم ، (ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) نظيره : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) (٢٩) [المطففين : ٢٩] قال مقاتل : نزلت في بلال وعمار وخباب وصهيب وسلمان والفقراء من [أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم](٤) ، كان كفار قريش يستهزءون بهم.
(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) ، على أذاكم واستهزائكم في الدنيا ، (أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) ، قرأ حمزة والكسائي «أنهم» بكسر الألف على الاستئناف ، وقرأ الآخرون بفتحها ، فيكون في موضع المفعول الثاني إني جزيتهم اليوم بصبرهم الفوز بالجنة.
(قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ) ، قرأ حمزة والكسائي «قل» على الأمر. ومعنى الآية قولوا أيها الكافرون ، فأخرج الكلام مخرج الواحد ، والمراد منه الجماعة إذ كان معناه (٥) مفهوما ويجوز أن يكون الخطاب لكل واحد منهم ، أي قل يا أيها الكافرون وقرأ ابن كثير : «قل كم» على الأمر «قال إن» على الخبر لأن الثانية جواب ، وقرأ الآخرون «قال» فيهما جميعا أي قال الله تعالى للكفار يوم البعث كم لبثتم ، (فِي الْأَرْضِ) ، أي : في الدنيا وفي القبور (عَدَدَ سِنِينَ).
(قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، نسوا مدة لبثهم في الدنيا لعظم ما هم بصدده من العذاب ، (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) [أي](٦) الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم.
(قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ) ، أي : ما لبثتم في الدنيا ، (إِلَّا قَلِيلاً) ، سماه قليلا لأن الواحد وإن طال مكثه في الدنيا فإنه يكون قليلا في جنب ما يلبث في الآخرة لأن لبثه في الدنيا والقبر متناه ، (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، قدر لبثكم في الدنيا.
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨))
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) [أي](٧) لعبا وباطلا لا لحكمة ، وهو نصب على الحال ، أي : عابثين. وقيل : للعبث ، أي : لتلعبوا وتعبثوا كما خلقت البهائم لا ثواب لها ولا عقاب ، وهو مثل قوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (٣٦) [القيامة : ٣٦] وإنما خلقتم للعبادة وإقامة أوامر الله تعالى ، (وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا
__________________
(١) في المخطوط «بكسرها».
(٢) في المخطوط «بالقوم».
(٣) في المخطوط «لأنه».
(٤) العبارة في المطبوع «الصحابة».
(٥) في المخطوط «معناها».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.