فجرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان ولم يكن له خبر ، والأكثرون قالوا : جرى ذلك على لسانه بإلقاء الشيطان على سبيل السهو والنسيان ولم يلبث أن نبهه الله عليه ، وقيل : إن شيطانا يقال له الأبيض (١) عمل هذا العمل ، وكان ذلك فتنة ومحنة من الله تعالى والله تعالى يمتحن عباده بما يشاء (٢). (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) ، أي : يبطله ويذهبه ، (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) ، فيثبتها ، (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٥٢) (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً) ، أي : محنة وبلية ، (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، شك ونفاق ، (وَالْقاسِيَةِ) ، يعني :
الجافية ، (قُلُوبِهِمْ) ، عن قبول الحق وهم المشركون ، وذلك أنهم افتتنوا لما سمعوا ذلك ، ثم نسخ ورفع فازدادوا عتوا ، وظنوا أن محمدا يقوله من عند (٣) نفسه ثم يندم فيبطل ، (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) ، المشركين ، (لَفِي شِقاقٍ) [أي](٤) ضلال ، (بَعِيدٍ) أي : في خلاف شديد.
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (٥٥) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٥٦) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٥٧) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨))
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ، التوحيد والقرآن. وقال السدي : التصديق بنسخ الله تعالى ، (أَنَّهُ) ، يعني : الذي أحكم الله من آيات القرآن هو (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ) ، أي : يعتقدوا أنه من الله ، (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) ، يعني : فتسكن [وتطمئن](٥) إليه قلوبهم ، (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، أي : [إلى](٦) طريق قويم هو الإسلام.
(وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ) يعني في شكّ مما ألقى الشيطان على لسان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقولون : ما باله [ذكر آلهتنا](٧) بخير ثم ارتد عنها. وقال ابن جريج : منه [أي من القرآن. وقيل : من الدين وهو الصراط المستقيم](٨). (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) ، يعني : [يوم](٩) القيامة. وقيل : الموت ، (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) ، قال الضحاك وعكرمة : عذاب يوم لا ليلة له وهو يوم القيامة. والأكثرون على أن اليوم العقيم يوم بدر لأنه ذكر الساعة من قبل وهو يوم القيامة. وسمي يوم بدر عقيما لأنه لم يكن في ذلك اليوم للكفار خير ، كالريح العقيم التي لا تأتي بغير سحاب ولا مطر ، [والعقم في اللغة : المنع ، يقال : رجل عقيم إذا منع من الولد](١٠) ، وقيل : لأنه لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة
__________________
(١) في المطبوع «أبيض».
(٢) في المخطوط «شاء».
(٣) في المطبوع «تلقاء».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع «ذكرها».
(٨) ما بين الحاصرتين في المخطوط عقب الآية مباشرة.
(٩) زيادة عن المخطوط.
(١٠) ما بين الحاصرتين في المخطوط بعد كلام ابن جريج.