قوله تعالى : (يَأْتُوكَ رِجالاً) ، أي : مشاة على أرجلهم جمع راجل ، مثل قائم وقيام وصائم وصيام ، (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) ، أي : ركبانا على كل ضامر ، والضامر : البعير المهزول. (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) أي : من كل طريق بعيد ، وإنما جمع يأتين لمكان كل وارد النوق.
(لِيَشْهَدُوا) ، ليحضروا ، (مَنافِعَ لَهُمْ) ، قال سعيد بن المسيب ومحمد بن علي الباقر : العفو والمغفرة. وقال سعيد بن جبير : التجارة ، وهي رواية ابن زيد عن ابن عباس ، قال الأسواق. وقال مجاهد : التجارة وما يرضى الله به من أمر الدنيا والآخرة. (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) ، يعني عشر ذي الحجة في قول أكثر المفسرين. قيل لها : معلومات للحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها. ويروى عن علي رضي الله عنه أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وفي رواية عطاء عن ابن عباس : أنها يوم عرفة والنحر وأيام التشريق. وقال مقاتل : المعلومات أيام التشريق. (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) ، يعني الهدايا والضحايا تكون من النعم ، وهي الإبل والبقر والغنم. واختار الزجاج أن الأيام المعلومات يوم النحر وأيام التشريق [لأن الذكر على بهيمة الأنعام يدل على التسمية على نحرها](١) ، ونحر الهدايا يكون في هذه الأيام. (فَكُلُوا مِنْها) أمر إباحة وليس بواجب ، وإنما قال ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئا واتفق العلماء على أن الهدي إذا كان تطوعا يجوز للمهدي أن يأكل منه وكذلك أضحية التطوع لما :
[١٤٥٥] أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشمهيني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال في قصة حجة الوداع : وقدم عليّ ببدن من اليمن وساق رسول الله صلىاللهعليهوسلم مائة بدنة فنحر منها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاث وستين بدنة بيده ونحر علي ما بقي ، ثم أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أن تؤخذ بضعة من كل بدنة فتجعل في قدر فأكلا من لحمها وحسيا من مرقها.
واختلفوا في الهدي الواجب بالشرع هل يجوز للمهدي أن يأكل منه شيئا مثل دم التمتع والقران والدم الواجب بإفساد الحج وفواته وجزاء الصيد ، فذهب قوم إلى أنه لا يجوز أن يأكل منه شيئا وبه قال الشافعي ، وكذلك ما أوجبه على نفسه بالنذر ، وقال ابن عمر : لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ، ويأكل مما سوى ذلك ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وقال مالك : يأكل من هدي التمتع ومن كل هدي وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والمنذور ، وعند أصحاب الرأي يأكل من دم التمتع والقران ولا أكل من واجب سواهما. قوله عزوجل : (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) ، يعني : الزّمن الفقير الذي لا شيء له والبائس الذي اشتد بؤسه ، والبؤس شدة الفقر.
__________________
[١٤٥٥] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.
ـ وهو في «شرح السنة» ١٩١١ بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه مسلم ١٢١٨ وأبو داود ١٩٠٥ وابن ماجه ٣٧٤ والدارمي ٢ / ٤٤ ـ ٤٩ وأبو يعلى ٢٠٢٧ والبيهقي ٥ / ٧ ـ ٩ من طرق عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر به.
(١) ما بين الحاصرتين في «الوسيط» ٣ / ٢٦٨ «... واختاره الزجاج» قال : لأن الذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله : (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ).