يقتلك أو تظلم من لا يظلمك ، وهذا معنى قول الضحاك. وعن مجاهد أنه قال : تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات. وقال حبيب بن أبي ثابت : هو احتكار الطعام بمكة. وقال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ، قال : لو أن رجلا همّ بخطيئة لم تكتب عليه ما لم يعملها ، ولو أن رجلا همّ بقتل رجل بمكة وهو بعدن أبين أو ببلد آخر أذاقه الله من العذاب الأليم. قال السدي : إلا أن يتوب. وروي عن عبد الله بن عمر [و](١) أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل (٢) ، فسئل عن ذلك فقال : كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل كلا والله وبلى والله.
قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) ، أي : وطّأنا ، وقال ابن عباس : جعلنا. وقيل :بينا. قال الزجاج : جعلنا مكان البيت مبوأ إبراهيم (٣). وقال مقاتل بن حيان : هيأنا. وإنما ذكر مكان البيت لأن الكعبة رفعت إلى السماء في زمن الطوفان ثم لما أمر الله تعالى إبراهيم ببناء البيت لم يدر أين يبني فبعث الله ريحا خجوجا فكنّست له ما حول البيت على الأساس. وقال الكلبي : بعث الله سحابة بقدر البيت فقامت بحيال البيت وفيها رأس يتكلم يا إبراهيم ابن على قدري فبنى عليه (٤). قوله تعالى : (أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) أي : عهدنا إلى إبراهيم وقلنا له لا تشرك بي شيئا ، (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) ، أي : الذين يطوفون بالبيت [من دنس الذنوب](٥) ، (وَالْقائِمِينَ) أي : المقيمين ، (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ، أي : المصلين.
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ) أي : أعلم ونادي في الناس ، (بِالْحَجِ) ، فقال إبراهيم وما يبلغ صوتي؟ فقال : عليك الأذان وعلينا البلاغ ، فقام إبراهيم على المقام فارتفع [به](٦) المقام حتى صار كأطول الجبال فأدخل إصبعيه في أذنيه وأقبل بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا وقال : يا أيها الناس ألا إن ربكم قد بنى لكم بيتا وكتب عليكم الحج إلى البيت فأجيبوا ربكم فأجابه كل من كان يحج (٧) من أصلاب الآباء وأرحام الأمهات : لبيك اللهم لبيك ، قال ابن عباس : فأول من أجابه أهل اليمن فهم أكثر الناس حجا.
وروي أن إبراهيم صعد أبا قبيس ونادى. وقال ابن عباس عني بالناس في هذه الآية أهل القبلة وزعم الحسن أن قوله : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) كلام مستأنف وإن المأمور بهذا التأذين محمد صلىاللهعليهوسلم أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع.
[١٤٥٤] وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا».
__________________
[١٤٥٤] ـ صحيح. أخرجه مسلم ١٣٣٧ والنسائي ٥ / ١١٠ ـ ١١١ والدار قطني ٢ / ٢٨١ وابن حبان ٣٧٠٤ والبيهقي ٤ / ٣٢٦ من حديث أبي هريرة مطوّلا.
(١) سقط من النسخ.
(٢) في المطبوع «الآخر».
(٣) في المطبوع «مبدأ لإبراهيم».
(٤) في المخطوط «عليها».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المخطوط «حج».