فذففا عليه واحتملا عبيدة إلى أصحابه ، وقد قطعت رجله ومخها يسيل ، فلم أتوا بعبيدة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ألست شهيدا يا رسول الله؟ قال : «بلى» ، فقال (١) عبيدة : لو كان أبو طالب حيا لعلم أنا أحق بما قال منه حيث يقول :
ونسلمه حتى نصرع حوله |
|
ونذهب عن أبنائنا والحلائل |
وقال ابن عباس وقتادة : نزلت الآية في المسلمين وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب : نحن أولى بالله منكم وأقدم منكم كتابا ، ونبينا قبل نبيكم ، وقال المؤمنون : نحن أحق بالله آمنا بنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم ونبيكم وبما أنزل الله من كتاب وأنتم تعرفون نبينا وكتابنا وكفرتم به حسدا ، فهذه خصومتهم في ربهم.
وقال مجاهد : وعطاء بن أبي رباح والكلبي : هم المؤمنون والكافرون كلهم من أي ملة كانوا. وقال بعضهم : جعل الأديان ستة في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) [الحج : ١٧] الآية فجعل خمسة للنار وواحدا للجنة.
فقوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) ينصرف إليهم فالمؤمنون خصم وسائر الخمسة خصم. وقال عكرمة : هما الجنة والنار اختصمتا كما :
[١٤٤٩] أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر الزيادي أنا أبو بكر القطان أنا أحمد بن يوسف السلمي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال : حدثنا أبو هريرة : قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تحاجّت الجنة والنار فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغزاتهم؟ قال الله عزوجل للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله فيها رجله فتقول قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحدا ، وأما الجنة فإن الله عزوجل ينشئ لها خلقا» ثم بيّن الله عزوجل ما للخصمين فقال : (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ) قال سعيد بن جبير : ثياب من نحاس مذاب وليس من الآنية شيء إذا حمي أشد حرا منه وسمي باسم الثياب لأنها تحيط بهم كإحاطة الثياب. وقال بعضهم : يلبس أهل النار مقطعات من نار (٢) ، (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) والحميم : هو الماء الحار الذي انتهت حرارته.
(يُصْهَرُ بِهِ) أي : يذاب بالحميم ، (ما فِي بُطُونِهِمْ) [من الأمعاء](٣) يقال : صهرت الألية والشحم
__________________
[١٤٤٩] ـ إسناده صحيح ، أحمد بن يوسف روى له مسلم ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
ـ وهو في «شرح السنة» ٤٣١٨ بهذا الإسناد.
ـ وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٨٩٣ عن معمر به.
ـ وأخرجه البخاري ٤٨٥٠ ومسلم ٢٨٤٦ ح ٣٦ وأحمد ٢ / ٣١٤ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ٩٤ وابن حبان ٧٤٤٧ والبيهقي في «الاعتقاد» ص ١٥٨ من طرق عن عبد الرزاق به.
(١) زيد في المخطوط «أبو».
(٢) في المطبوع «النار».
(٣) زيادة عن المخطوط.