(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) ، دلالة على حمل امرأتي ، (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) ، أي صحيحا سليما من غير ما بأس ولا خرس.
قال مجاهد : أي لا يمنعك من الكلام مرض. وقيل : ثلاث ليال سويّا أي متتابعا ، والأول أصح.
وفي القصة : أنه لم يقدر فيها أن يتكلم مع الناس فإذا أراد ذكر الله تعالى انطلق لسانه.
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧))
قوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) ، وكان الناس من وراء المحراب ينتظرونه أن يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون إذ خرج عليهم زكريا متغيرا لونه فأنكروه ، فقالوا : ما لك يا زكريا (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) قال مجاهد : كتب لهم [في](١) الأرض ، (أَنْ سَبِّحُوا) ، أي صلوا لله ، (بُكْرَةً) ، غدوة ، (وَعَشِيًّا) معناه أنه كان يخرج على قومه بكرة وعشيا فيأمرهم بالصلاة ، فلما كان وقت حمل امرأته ومنع الكلام خرج إليهم فأمرهم بالصلاة إشارة.
قوله عزوجل : (يا يَحْيى) ، قيل : فيه حذف [و](٢) معناه : [و](٣) وهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى ، (خُذِ الْكِتابَ) ، يعني التوراة ، (بِقُوَّةٍ) ، بجد ، (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : النبوّة ، (صَبِيًّا) ، وهو ابن ثلاث سنين. وقيل : أراد بالحكم فهم الكتاب ، فقرأ التوراة وهو صغير. وعن بعض السلف قال : من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتي الحكم صبيا.
(وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) ، رحمة من عندنا.
قال الحطيئة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، شعر :
تحنّن عليّ هداك المليك |
|
فإن لكل مقام مقالا |
أي : ترحّم. (وَزَكاةً) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص. وقال قتادة رضي الله عنه : هي العمل الصالح ، وهو قول الضحاك ومعنى الآية وآتيناه رحمة من عندنا وتحننا على العباد ، ليدعوهم إلى طاعة ربهم ويعمل عملا صالحا في إخلاص. وقال الكلبي : يعني صدقة تصدق الله بها على أبويه ، (وَكانَ تَقِيًّا) ، مسلما ومخلصا مطيعا ، وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولا همّ بها.
(وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) ، أي بارا لطيفا بهما محسنا إليهما. (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) ، الجبار المتكبر ، وقيل : الجبار الذي يضرب ، ويقتل على الغضب ، والعصي العاصي.
(وَسَلامٌ عَلَيْهِ) ، أي : سلامة (٤) له ، (يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) ، قال سفيان بن عيينة :
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٣) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٤) في المطبوع «سلام».