فقال لهم تمليخا : التمستم في المدينة فلم توجدوا وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم ، فتذبحون للطواغيت أو يقتلكم فما شاء الله بعد ذلك فعل ، فقال لهم مكسلمينا : يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقو الله فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم عدو الله ثم قالوا لتمليخا انطلق إلى المدينة فتسمع ما يقال لنا بها ، وما الذي يذكر عند دقيانوس وتلطف ولا تشعرنّ بك أحدا وابتع لنا طعاما فائتنا به وزدنا على الطعام الذي جئتنا (١) به ، فقد أصبحنا جياعا.
ففعل تمليخا كما كان يفعل ووضع ثيابه وأخذ الثياب التي [كان](٢) يتنكر فيها وأخذ ورقا من نفقتهم التي كانت معهم والتي ضربت بطابع دقيانوس ، فكانت كخفاف الربع [والربع أول ما ينتج من ولد الضأن في الربيع](٣) ، فانطلق تمليخا خارجا فلما مرّ بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منها ثم مر ولم يبال بها حتى [أتى](٤) باب المدينة مستخفيا يصد عن الطريق مخافة أن يراه أحد من أهلها فيعرفه ولا يشعر أن دقيانوس وأهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاثمائة سنة.
فلما أتى تمليخا باب المدينة رفع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان إذا كان [أمر](٥) الإيمان ظاهرا فيها فلما رآها عجب وجعل ينظر إليها مستخفيا ينظر يمينا وشمالا ، ثم ترك ذلك الباب فتحول إلى باب آخر من أبوابها فرأى مثل ذلك فجعل يخيل إليه أن المدينة ليست بالتي كان يعرف ورأى ناسا كثيرا محدثين لم يكن يراهم قبل ذلك فجعل يمشي ويتعجب ويخيل إليه أنه حيران.
ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه فجعل يتعجب بينه وبين نفسه ويقول : يا ليت شعري ما هذا؟ أما عيشة أمس فكان المسلمون يخبئون هذه العلامة ويستخفون بها ، وأما اليوم فإنها ظاهرة لعلي حالم ثم يرى أنه ليس بنائم ، فأخذ كساءه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة فجعل يمشي بين ظهراني سوقها فيسمع ناسا يحلفون باسم عيسى ابن مريم فزاده [ذلك](٦) فرقا ورأى أنه حيران.
فقام مسندا ظهره إلى جدار من جدر المدينة ، وقال في نفسه : والله ما أدري ما هذا؟ أما عيشة أمس فليس على ظهر الأرض إنسان يذكر عيسى ابن مريم إلا قتل ، وأما الغداة فأسمعهم وكل إنسان يذكر اسم عيسى ولا يخاف أحدا ، ثم قال في نفسه : لعل هذه ليست بالمدينة التي أعرف ، والله ما أعلم مدينة أقرب [من](٧) مدينتنا ، فقام كالحيران ثم لقي فتى فقال له : ما اسم هذه المدينة يا فتى قال اسمها أقسوس ، فقال في نفسه : لعل بي مسا أو أمرا أذهب عقلي والله يحق لي أن أسرع الخروج منها قبل أن أخزى فيها أو يصيبني شرّ فأهلك ثم إنه أفاق فقال : والله لو عجلت الخروج من المدينة قبل أن يفطن بي لكان أكيس.
فدنا من الذين يبيعون الطعام فأخرج الورق التي كانت معه فأعطاها رجلا منهم فقال بعني بهذه الورق طعاما فأخذها الرجل فنظر [إلى ضرب الورق ونقشها فعجب منه ثم طرحها إلى رجل آخر من أصحابه فنظر إليها](٨) فجعلوا يتطارحونها بينهم من رجل إلى رجل. ويتعجبون منها. ثم جعلوا يتشاورون بينهم ويقول بعضهم لبعض : إن هذا أصاب كنزا خبيئا في الأرض منذ زمان ودهر طويل ، فلما رآهم تمليخا يتشاورون من أجله فرق فرقا شديدا وجعل يرتعد ويظن أنهم قد فطنوا به وعرفوه
__________________
(١) في المطبوع «جئنا».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيد في المطبوع.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) سقط من المخطوط.